: آخر تحديث

الدراسات المغاربية في العراق، نمو متصاعد وتأثير متزايد

2
2
2

ما زال الاستاذ الدكتور محمود صالح الكروي يواصل نشاطاته منذ اواخر ثمانينيات القرن الماضي في دراسة اوضاع اقطار المغرب العربي من خلال تأليف الكتب وكتابة البحوث وتشجيع طلبة وطالبات الدراسات العليا للتخصص فيها. ويُمثل كتابه الجديد (الفكر السياسي لحزب الاستقلال المغربي/ دراسة سياسية تحليلية) الذي صدر قبل ايام من دار رؤى للطباعة والنشر والتوزيع، حجر الزاوية في مسيرته البحثية في الشأن السياسي المغاربي. الكتاب في الأصل رسالة ماجستير نوقشت بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 1989 في المعهد العالي للدراسات السياسية والدولية بالجامعة المستنصرية في بغداد، ونالت تقدير "جيد جدا عالٍ". قرر المؤلف إصدارها مثلما كتبها قبل 36 عاما دون مراجعة أو تعديل، لتبقى وثيقة تاريخية صادقة تعكس رؤيته الفكرية آنذاك والظروف السياسية والقضايا التي عالجتها وقت إنجازها.

   يُعنى الكتاب بدراسة الفكر السياسي لحزب الاستقلال المغربي، وهو أعرق الأحزاب الوطنية في المغرب، الذي ارتبط نضاله بمرحلة مفصلية في التاريخ المغربي الحديث، بدءاً من الكفاح من أجل الاستقلال عن فرنسا (تحقق عام 1956) ومرورا بالتحولات الكبرى التي تلته بما في ذلك الانشقاق التاريخي للحزب في 25 كانون الثاني/يناير 1959. وقد استمر الحزب رغم التحديات، فاعلا رئيسيا في المشهد السياسي، تارة من موقع الحكم واخرى في المعارضة.

تنطلق الدراسة من فرضية أساسية مؤداها أن لحزب الاستقلال دورا محوريا ومستمرا في الحياة السياسية المغربية الداخلية، قبل الاستقلال وبعده، وفي تشكيل البنية الدستورية للمملكة المغربية، وتطوير الحركة القومية العربية في المغرب العربي والوطن العربي.

ويحاول الكتاب الإجابة عن السؤال الجوهري: "إلى أي مدى يقترب أو يبتعد الفكر السياسي لحزب الاستقلال المغربي عن الفكر القومي العربي؟". وتنبثق عن هذا السؤال مجموعة أسئلة فرعية: كيف أثرت المتغيرات الداخلية (السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية)، والخارجية (الاستعمار، العلاقات الدولية)، والنفسية (الشخصيات القيادية، الإرث النضالي) على تطور فكر الحزب؟

ما هي الغايات الاستراتيجية التي سعى الفكر السياسي للحزب إلى تحقيقها؟ وما هي الآليات والوسائل التي اعتمدها لبلوغ هذه الأهداف؟ كيف تجلى سلوك الحزب وموقفه الفكري تجاه حركة الثورة العربية وقضاياها المصيرية؟ ما هي المقاربة التي تبناها حيال القضايا الاقليمية (المغرب العربي، الصحراء المغربية، العلاقات مع الدول المجاورة)، والدولية (الاستعمار، الصراع العربي/ الاسرائيلي، عدم الانحياز)؟

   اما دوافع البحث لدى المؤلف المتخصص في الشأن المغاربي، فهي ذاتية وموضوعية: فعمله في المركز الثقافي العراقي بالرباط من عام 1985 حتى عام 1987 أتاح له معايشة البيئة السياسية المغربية عن قرب، وشدّ اهتمامه للمعرفة حول قيادة الحزب التاريخية للنضال الوطني وملاحظة إخفاقاته اللاحقة في الحفاظ على تأثيره رغم عراقة تاريخه، الامر الذي دفعه للبحث عن جذور هذا الاخفاق في تطور فكره السياسي. كان هناك دافع آخر هو البعد الوطني والإرث العلمي، إذ سعى لترك أثر علمي ملموس يتجاوز حدود عمله الثقافي والإعلامي المباشر خلال وجوده بالمغرب خدمةً لبلده العراق. فضلا عن الهم القومي العربي وادراكه لمحاولات بعض القوى المعادية لتفكيك الوحدة العربية، وخاصة فصل المغرب العربي عن المشرق العربي في ظل التحديات الكبرى التي تواجه الأمة، على رأسها المشروع الصهيوني في فلسطين. وبما أن حزب الاستقلال كان له دور نضالي واضح في الدعوة لوحدة المغرب العربي والوحدة العربية، فإن دراسة فكر حزب الاستقلال تُعد مساهمة في فهم أسس التكامل القومي ومواجهة محاولات التفتيت.

   اعتمد المؤلف على منهجية علمية تجمع بين المنهج التاريخي لتتبع التطور الزمني للحزب وفكره، والمنهج التحليلي لتفكيك مكوناته وفحص آلياته وأدائه. واستند في بحثه إلى ثروة وثائقية متنوعة شملت الوثائق الرسمية المعاصرة وإصدارات حزب الاستقلال ومقررات مؤتمراته التي تعد مصدر الدراسة الأساسي، اضافة الى كتابات ومقالات "علال الفاسي" وهو أبرز أيديولوجيي الحزب، وكذلك مؤلفات الكتاب المغاربة من داخل الحزب وخارجه حول الحركة الوطنية المغربية. كما اعتمد على الكتب المترجمة من الفرنسية والإنجليزية، وعلى الحوليات والصحف والمجلات العربية والمغربية؛ وسهّل له وجوده في المغرب الكثير من المقابلات الشخصية. 

   هذه الدراسة تحليل رصين لفكر أقدم حزب وطني مغربي والاكثر تأثيرا ورصدا لتفاعل الفكر السياسي مع المتغيرات التاريخية. انها مساهمة علمية في فهم إشكالية العلاقة بين الفكر الوطني المغربي والفكر القومي العربي. لذا فان هذا الكتاب يعد وثيقة تاريخية تحفظ رؤية الباحث وتفاعله مع موضوعه في أواخر الثمانينيات؛ ومرجعا أساسيا لكل باحث في التاريخ السياسي المغربي الحديث، والفكر الحزبي، وتطور الحركة القومية العربية في منطقة المغرب العربي.

   ان دراسة نشأة وتطور حزب الاستقلال المغربي نافذة أساسية لفهم تشكل الوعي الوطني الحديث في المغرب، إذ ارتبطت بدايات هذا الوعي بالصدمة الحضارية التي أحدثتها مواجهة الاستعمار الغربي، فتحول إلى حركة وطنية منظمة، متجذرا في ردود الأفعال المبكرة منذ معركة إيسلي (1844) وتعمقا باحتلال فرنسا للجزائر المجاورة (1830). ومرت هذه الحركة الوطنية الوليدة بمراحل تصاعدية متعاقبة، حيث شكل "الظهير البربري" (1930) الذي خططت له الادارة الاستعمارية الفرنسية لطمس الهوية المغربية، محفزا حاسما لميلادها العلني والمنظم. وواجهت الحركة في بداياتها وحتى بعد تأسيس حزب الاستقلال لاحقا، تحديا جوهريا تمثل في غياب برنامج شامل أو نظرية سياسية واضحة، فغلب على تصرفاتها طابع ردود الأفعال المباشرة إزاء سياسات الاستعمار رغم استنادها الواعي إلى التراث الاسلامي لاضاءة بعض مساراتها المستقبلية. وقد ساهمت عوامل متعددة في بلورة توجهها، أبرزها فشل المقاومة المسلحة المبكرة وحركة الاصلاح الديني التي اجتاحت العالم الاسلامي، والآثار العميقة


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.