عبد الله سليمان الطليان
العنوان غاية في الحقيقة، سوف نوضح ذلك من خلال كتاب (المعرفة في خدمة الهيمنة) لمؤلفه ماثيواف. جاكوبز الذي يغطى مرحلة زمنية من عام 1918 إلى عام 1967م وكيف عملت أمريكا على تحقيق مطامعها في الشرق الأوسط بحسب طرح المؤلف.
لقد جاء التحذير من شخصيات مرموقة ولها مناصب سياسية عالية في داخل الحكومة الأمريكية وكذلك لها معرفة قوية بمنطقة الشرق الأوسط، ومن أبرزهم ويليام إدي، الذي ولد بلبنان في نهاية القرن التاسع عشر لوالدين كانا يعملان بالتبشير، وأبقى على منزل للعائلة هناك وكان يعود إليه بانتظام حتى حينما كان يعمل بالولايات المتحدة، حينما بدأت الحرب العالمية الثانية، تطوع مرة أخرى بفرقة المارينز، التي كان قد التحق بها أثناء انتشارها بأوروبا في الحرب العالمية الأولى، وعمل ضابط استخبارات بشمال إفريقيا والشرق الأوسط. بعد الحرب، عمل كأول وزير مفوض للولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية، ثم عاد إلى واشنطن دي سي ليعمل بوزارة الخارجية، في أكتوبر عام 1947م، استقال رسميا من الحكومة احتجاجا منه على دعم الولايات المتحدة المتزايد لإقامة دولة يهودية في فلسطين، الأمر الذي كان يعارضه بإصرار لا يتزعزع.
عرف عن إدي كتابته الغزيرة للخطابات والتقارير التي كان يرسلها إلى أسرته وأصدقائه ومعارفه المهنيين، من ثم أرسل إدي في يناير عام 1948م تقييمه للحالة القائمة في الصراع العربي الإسرائيلي إلى الجنرال الفرد جرونشر قائد رؤساء الأركان المشتركة. وكما كان متوقعا بالاستناد إلى خلفية إدي وآرائه السياسية، جاء جل التقرير ناقدا لإسرائيل. حيث يقول: (إن إقامة إسرائيل بطريق القوة كان كارثة طويلة الأمد لم تحل شيئا، وذلك جزئيا لأنه لم يكن ثمة حدود واضحة معترف بها دوليا للدولة الجديدة. وبدلا من إمكانية السلام، فإن المنطقة تواجه احتمالا شبه يقيني باضطراب عميق متنام يأتي من جانب إسرائيل قد يستمر عقودا..).
ظل وويليام إدي من ضمن ثلاثة أفراد آخرين كان البعض يعدهم من أشرس المعارضين للمخطط اليهودى بفلسطين، والذين أسماهم الرئيس الأمريكي دين أتشيسون فيما بعد بـ(العرب الثلاثة) هارولد هوسكينز، وويليام إدى، وكرميت روزفلت.
ظلوا أصواتا نافذة لعدة أعوام تالية. وعلى الرغم من أن إدي استقال من العمل بالحكومة، ولم يتقبل أبدا فكرة وجود إسرائيل عنصرا ثابتا مؤبدا بالشرق الأوسط. وتحدث وكتب جهارا معارضا سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي - الفلسطيني، فقد ظلت السي أي إيه ووزارة الخارجية تلجآن إلى استشارته طوال أعوام الأربعينيات الأخيرة وبدايات الخمسينيات في شؤون المنطقة.
لم يقتصر الأمر على شخصيات، بل تعداه إلى (المجلس اليهودي الأمريكي ACI)، الذي قاوم قيام دولة يهودية في فلسطين وتحالف مع أعضاء حكوميين في منتصف الأربعينيات، لكن قيام دولة إسرائيل عام 1948م أزال سبب وجود ACI، من ثم نقل التنظيم بؤرة نشاطه إلى الدعوة إلى تعزيز العمليات الديموقراطية في إسرائيل، وإلى الحيلولة دون ممارسة اللوبي اليهودي المتنامي تأثيرا سياسيا مفرطا في الولايات المتحدة، أراد ACI المشاركة السياسية الكاملة لفلسطينيي الداخل الإسرائيلي في الحكومة الإسرائيلية، وعمل على الحد من النفوذ الإسرائيلي على اليهود الأمريكيين، ومن مطالب إسرائيل المالية منهم، وقامت أطروحتهم هذه على أساس الفكرة القائلة بأن القانون الإسرائيلي كان يسعى لمنح اليهود في أنحاء العالم ولاء قوميا مكتسبا، بل ربما حتى إلزاميا. نقد ACI بخاصة قانون العودة والمواطنة الإسرائيلي الذي سمح لليهود من جميع أنحاء العالم بـ(العودة إلى إسرائيل ومنحهم المواطنة على الفور رأى ACI أن هذه القوانين تعد تدخلا في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وانتهاكا للقانون الدولي علاوة على ذلك، ذهب ACI إلى القول بأن تلك القوانين الإسرائيلية تمنح حقوقا لمواطني بلدان أخرى تنكر على سكان إسرائيل من غير اليهود، وبهذا تجعل من إسرائيل دولة تمارس التمييز العنصري، أو دولة دينية).
أخيرا كان تأثير الصهيونية قويا على تلك الأصوات والتي اختفت مع الوقت وذهبت أصوات التحذير في مهب الريح وها نحن نعيش واقع الصراع الذي لم ينته، بل يزداد عنفا ودموية مريرة.