: آخر تحديث

الإخوان المسلمون وصناعة الموت في الغرب

0
0
0

يمثّل تنظيم الإخوان المسلمين، في الحقيقة، واحدة من أكثر الظواهر تعقيدًا في تاريخ الحركات الإسلامية السياسية الارهابية؛ فالتنظيم، كما أرى ومن وجهة نظري كمراقب للشأن الأمني والفكري، لم يكن مجرد كيان دعوي عابر، بل هندسة ناعمة عابرة للحدود شُيّدت بعناية لخلق إيديولوجيا مسمومة ومستدامة قادرة على التكيف مع البيئات المختلفة دون أن تفقد جوهر مشروعها السياسي الإرهابي. والسؤال الذي يجب طرحه هنا: هل كان هذا الانتشار صدفة تاريخية، أم نتيجة تخطيط ممنهج لبناء شبكات نفوذ موازية للمجتمعات الغربية نفسها؟

في أوروبا، تشير التقارير الأمنية والحكومية إلى أن التنظيم مارس تغلغلاً هيكليًا واسعًا داخل بنية المجتمعات المسلمة، عبر السيطرة على مساجد وجمعيات تعليمية وخيرية تشكل واجهات اجتماعية، لكنها في جوهرها محطات إنتاج للخطاب السياسي والإرهابي. في فرنسا وحدها، تُظهر المراجعات الحكومية أن الجماعة ترتبط بأكثر من مئة وثلاثين موقعًا دينيًا، إضافة إلى مئات الجمعيات الشبابية والمالية التي تشكّل رافعة مهمة لخطاب المظلومية الذي طالما استخدمته الجماعة كأداة تعبئة داخلية.

ويبدو، بلا شك، أن هذا الانتشار لم يكن مجرد حضور ديني، بل محاولة لبناء مجتمع موازٍ قادر على التأثير في المعادلات المعقدة للأمن القومي الفرنسي. المشهد ذاته يتكرر في ألمانيا وبريطانيا وبلجيكا، حيث أثارت رابطة مسلمي بلجيكا والمنظمات الطلابية جدلاً واسعًا حول دورها في نشر تصوّرات الإسلام السياسي، وفي خلق أطر اجتماعية منفصلة عن قيم الدولة الحديثة.

أما في الولايات المتحدة، فقد نجح التنظيم في بناء مظلته المؤسسية عبر كيانات مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) واتحادات دعوية وتعليمية عديدة. ومن وجهة نظري، فإن هذه المؤسسات أتقنت لعبة الازدواجية، فهي في العلن كيانات حقوقية وقانونية، لكنها داخليًا جزء من شبكة إرهابية أوسع تنسق مع القيادة الأم. 

وهنا يبرز سؤال بلاغي محوري: هل يمكن لمؤسسة تدّعي الدفاع عن الحريات المدنية أن تظل بمنأى عن مساءلة ارتباطاتها العابرة للحدود؟ الاتهامات التي تواجه "CAIR" – من دعم أفراد أو فروع متطرفة خارج الولايات المتحدة – تؤكد أن القضية أبعد من مجرد عمل حقوقي.

وجاء قرار حاكم ولاية تكساس بتصنيف الإخوان المسلمين و"CAIR" كتنظيمات إرهابية ليكشف حجم التحول في المزاج السياسي الأمريكي تجاه التنظيم. القرار، وإن كان على مستوى الولاية وليس فيدراليًا، اعتمد على مبررات أمنية وشهادات استخباراتية حذرت من الهندسة الناعمة التي يستخدمها التنظيم في التغلغل داخل المجتمعات.

وقد ترتب على هذا التصنيف تجميد الأصول وتعطيل النشاط الرسمي وفرض رقابة صارمة على التمويل والتواصل. وهنا أقول بوضوح، إن هذه الخطوة ليست مجرد قرار إداري، بل تعبير عن إدراك متأخر لطبيعة الإيديولوجيا الإرهابية العابرة للحدود التي ينتهجها تنظيم الاخوان المسلمين.

مع ذلك، أثار القرار جدلاً واسعًا حول تأثيراته المحتملة على الحريات الدينية والمدنية، خصوصًا في بيئة تعددية كالولايات المتحدة. فهل يمكن فصل النشاط الديني عن المشروع السياسي طالما كانت الشبكات متداخلة بهذا الشكل؟ بعض المؤسسات الحقوقية حذّرت من استهداف غير مبرر للجالية المسلمة، بينما رأت جهات الأمن القومي أن حماية المجتمع من التطرف أهم من المخاوف القانونية. وهنا، أعتقد أن المعضلة الحقيقية تكمن في غياب إطار تشريعي واضح يميز بين العمل الدعوي والعمل السياسي الحركي، وهي فجوة استغلها التنظيم لعقود.

أما على المستوى الفيدرالي، فيظل صدور قرار شامل من الرئيس ترامب بتصنيف الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا أمرًا معقدًا، نظرًا لمتطلبات الإثبات القانوني بشأن ضلوع الأفرع المختلفة في أعمال عنف. يضاف إلى ذلك الحسابات السياسية والدبلوماسية المرتبطة بحلفاء من دول إقليمية في الشرق الاوسط يدعمون التنظيم الإرهابي أو يتعاملون معه. وتلك المعادلة - بين مكافحة التطرف وحماية الحريات - تبقى واحدة من أكثر الملفات حساسية في السياسة الأمريكية.

تزداد أهمية هذا الملف مع تصاعد القلق في الغرب من تمدد خطاب الإسلام السياسي الإرهابي وأدواته، خاصة في المدن الأوروبية والأمريكية التي تعيش اليوم جدلاً متصاعدًا حول الانعزال المجتمعي و الهوية الموازية والهندسة الثقافية التي تمارسها جماعة الإخوان المسلمين داخل الأحياء والمراكز الإسلامية. ومن وجهة نظري، فإن المعركة لم تعد حول حضور التنظيم من عدمه، بل حول قدرته على إعادة إنتاج ذاته عبر مؤسسات قانونية وشرعية تستثمر في الفراغات. وهنا تبرز خطورة التغلغل الهيكلي أكثر من خطر العنف المباشر.

إن تجربة ولاية تكساس ليست حدثًا محليًا معزولًا، بل إشارة إلى نموذج جديد من المواجهة بين الدول الغربية والتنظيمات العابرة للحدود. نموذج يعتمد على الرقابة، والتصنيف القانوني، وإعادة ضبط المجال الديني والسياسي، وهو نموذج - كما يبدو – يمكن أن يكون مرشحا للتمدد في أوروبا خلال المرحلة المقبلة.

وفي خضم هذه التعقيدات، أجد أن السؤال الأهم هو: هل يدرك الغرب أن مواجهة الإخوان المسلمين ليست مسألة أمنية فحسب، بل هي معركة على الوعي والمجتمع والنموذج الثقافي؟ الجواب سيحدّد مسار السنوات المقبلة، لأن هذا التنظيم الإرهابي أثبت أنه قادر على تغيير تكتيكاته واستثمار المساحات القانونية لبناء كيانات موازية تهدد تماسك الدول وخياراتها السياسية، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية… تلك التي إن لم تُواجه مبكرًا ستتحول إلى واقع يصعب تفكيكه لاحقًا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.