: آخر تحديث

المسجد الأقصى بوصلة التهدئة في زمن المفاوضات العسيرة

0
0
0

يظل المسجد الأقصى، بقدسيته وموقعه المحوري في الوجدان العربي والإسلامي، قلب الصراع النابض وبارومتر التوتر في المشهد الفلسطيني - الإسرائيلي، في خضم حرب مدمرة لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على غزة، قد تبدو شهادات المصلين والعاملين في الحرم، التي تشير إلى حالة من الهدوء النسبي وعودة روتين الصلاة المعتاد داخل أسوار الأقصى، أشبه بنافذة ضوء صغيرة في جدار سميك من العتمة. هذا الهدوء لا يجب أن يُفهم على أنه سلام مستدام، بل هو سكينة متوجسة تتطلب يقظة وحكمة في الإدارة والتعامل.

توافد آلاف المصلين يوميًا، خصوصًا أيام الجمعة، لأداء عباداتهم في أجواء روحانية هادئة، حسب أقوال بعض رواد المسجد. هذا الحضور، بالرغم من التوتر العام، يمثل انتصارًا للصمود الفلسطيني على استراتيجيات كسر الإرادة، فالأقصى لا يعتبر فقط موقعًا تاريخيًا أو دينيًا، بل مرساة نفسية وروحية للفلسطينيين في ظل العاصفة، وبالرغم من قسوة الواقع في غزة.

لكن هذا الهدوء لا يعني غيابًا للتحديات، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة حوادث فردية: زوار يهود قاموا، كما أفاد شهود، بأفعال استنكرت داخل الحرم، ما اضطر عناصر الأمن للتدخل وإخراجهم فورًا. هذه الحوادث، مهما كانت فردية، تكفي لإشعال فتيل فتنة، فأي خرق لحرمة الأقصى هو بمثابة رمي عود ثقاب في مخزن بارود، وقد تكون نتائجه كارثية على استقرار المنطقة بأسرها، لذلك، الردع الفوري من الجهات المسؤولة ليس خيارًا بل واجبًا، لضمان أن يبقى الأقصى منبرًا للعبادة لا ساحة للاحتكاك.

وفي ظل التحركات الدبلوماسية المستمرة لضمان وقف مستدام لإطلاق النار في غزة يجب على الجميع أن يدركوا أن استقرار المسجد الأقصى هو شرط أساسي لنجاح أي تفاهمات سياسية أو أمنية. فمنطق الأمور يقول: لا يمكن الحديث عن إعمار أو تهدئة شاملة في الجنوب، في الوقت الذي يسمح فيه بانتهاك حرمة القدس والمسجد الأقصى.

هنا، تقع مسؤولية تاريخية مضاعفة على القيادات الفلسطينية المعنية بإدارة الأزمة، فالحفاظ على هذا الهدوء النسبي يتطلب حكمة ومسؤولية في التعامل مع الحوادث الفردية، عبر إبراز أهمية تعزيز دور المصلين والعاملين في الحرم لإدارة الأوضاع بوعي، وتجنب منح الطرف الآخر أي ذريعة لإدخال تغييرات قسرية على إدارة المسجد، فالصمود في الأقصى هو صمود بالإيمان والسكينة، وليس بالانفعال غير المحسوب.

في النهاية، يبقى الأقصى شاهدًا صامتًا على إمكانية التهدئة، فهدوءه النسبي اليوم يدعو إلى مسؤولية أكبر: لإسرائيل في وقف الانتهاكات وفتح المعابر، وللفلسطينيين في تعزيز الوحدة الداخلية، وللمجتمع الدولي في الضغط لتنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ.
إن الحفاظ على حرمة هذا المكان الديني ليست رفاهية، بل ضرورة لسلام يشمل الجميع، يبنى على الحوار لا على القوة، ففي زمن يتردد فيه صدى الدمار، يظل الأقصى يهمس صوتًا خافتًا بالاستقرار، فإن لم نحافظ على حرمته اليوم، فلن نجد غدًا ما يجمعنا سوى الرماد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.