: آخر تحديث

قريبًا… هل سنودّع Google وأسلافه؟

1
1
1

 

لم نكن ندخل Google بحثًا عن إجابة فقط،

كنا ندخله بحثًا عن الطمأنينة،

وعن شعورٍ خفيّ يقول ما زال العالم يُفسَّر.

فنكتب السؤال،

ونتأمل لحظة التردّد قبل الضغط،

ثم نغرق في الروابط

كما لو أننا نغرق في بحرٍ نثق أنّ له شاطئًا.

واليوم

لم نعد نغرق،

صار البحر نفسه يسلّمنا الشاطئ جاهزًا.

فالذكاء الاصطناعي لا يقول لك

"ابحث"،

بل يقول

"تعال… جلستُ بدلًا عنك وفكّرت".

وهنا يحدث الانزلاق الهادئ،

لا ضجيج فيه

ولا تحذير.

فنحن لا نغادر Google،

نغادر فعل البحث نفسه.

ولقد ودّعنا أشياء كثيرة

لم نُقِم لها جنازة،

ولم نكتب عنها مقالات رثاء،

لكنها انسحبت بهدوء

كما ينسحب من أنهى دوره دون ضجيج.

فشريط الكاسيت لم يختفِ فجأة،

كان يتراجع خطوة خطوة

حتى صار ذكرى في درجٍ منسي.

والهاتف الثابت

لم يُلغَ،

بل أُحيل إلى التقاعد،

ويقرع أحيانًا

كمن يذكّرنا بصوتٍ

كنّا نستعير له الوقت كاملًا.

والصحيفة الورقية

تعيش الآن مرحلة الاحتضار الأخيرة

فلا تزال موجودة

لكنها لم تعد في قلب المشهد.

حيث تُطبع… دون استعجال،

وتُقرأ… دون رهبة،

وستبقى قليلًا

ثم تغادر عاجلًا

إلى رفوف الذكريات

ورفوف الحنين.

ولم تكن المشكلة في زوال الأشياء،

بل في تغيّر علاقتنا بها.

فلم نعد نستمع كما كنّا،

ولا نقرأ كما اعتدنا،

ولا ننتظر كما تربّينا.

وهكذا يحدث الوداع الحقيقي

لا بالاختفاء،

بل بفقدان الدور.

فنغادر تلك الرحلة البطيئة

التي كانت تصنع الفكرة قطعة قطعة،

فنغادر الحيرة

التي كانت جزءًا من الفهم،

والخطأ

الذي كان يربّي العقل.

فصار السؤال خفيفًا،

والإجابة ثقيلة

نهائية أكثر مما يجب.

فمحرك البحث

Google

وأسلافه كان يقدّم لك أبوابًا،

والأبواب كانت تعلّمك الشك،

والتفكير،

والمقارنة.

والآن

تُقدَّم لك غرفة واحدة،

مضاءة بشكلٍ مثالي،

لكن بلا نوافذ.

ونحن لسنا خائفين من زوال الأداة،

نحن مرتبكون فقط من تغيّر العادة.

عادة أن نبحث،

أن نشك،

أن نضل قليلًا

قبل أن نصل.

والذكاء الاصطناعي لا يريدك متعبًا،

ولا محتارًا،

ولا مترددًا.

يريدك مطمئنًا بسرعة،

وربما… أقل سؤالًا.

فنحن لا نعيش ثورة تقنية فقط،

نحن نعيش إعادة تشكيل صامتة للعقل.

فكل إجابة جاهزة

تأخذ شيئًا من فضولنا

دون أن نشعر بالخسارة.

حين لا نتعب في الوصول،

وننسى كيف نقيّم ما وصلنا إليه.

فالسهولة المفرطة

ليست نعمة دائمة،

فأحيانًا هي اختصار لطريق

كان يجب أن نُكمله.

والمعرفة التي لا تُجهدنا

تُربكنا لاحقًا.

وأسوأ ما قد يحدث

أن نعتاد السرعة

فنعتبر التوقّف ضعفًا.

والصمت أمام الشاشة

لا يعني الفهم،

بل يعني الاستسلام.

ووحده السؤال الصعب

يبقي الإنسان متيقظًا

في عالمٍ يُغريه

أن ينام مستيقظًا.

وهذا هو السؤال الحقيقي،

الغير المكتوب،

بين السطور

فهل نحتاج المعرفة

أم نحتاج الطريق إليها؟

لأن الطريق

كان يصنعنا

أكثر مما تصنعنا الإجابة.

وإن ودّعنا  محرك البحث

Google

وأسلافه

يومًا،

فلن يكون وداع موقع،

بل وداع مرحلة

كان فيها العقل

يمشي على مهل

كي لا يضيع.

والخطرالحقيقي ليس أن تتقدّم الأدوات،

بل أن نتقدّم معها بلا وعي.

وليس أن تختصر لنا التكنولوجيا الوقت،

بل أن تختصر فينا الشك،

والتردّد،

والرحلة التي تُنشئ الفهم لا النتيجة.

وقد لا نودّع Google غدًا،

وقد يبقى الاسم حاضرًا طويلًا،

لكنّ الرهان الحقيقي

ليس على الأسماء،

بل على الإنسان.

إن حافظنا على حقّنا في السؤال،

في البحث،

في التيه المؤقت،

فلن يبتلعنا أي ذكاء،

ولن تُصاغ عقولنا

بغير إرادتنا.

أما إذا سلّمنا التفكير بمفاتيحه،

واكتفينا بالإجابة الجاهزة،

فسنستيقظ ذات يوم

لنكتشف أننا

لم نغادر Google فقط

بل غادرنا أنفسنا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.