: آخر تحديث

القيادة فن التأثير

5
4
6

تطور مفهوم القيادة عبر العقود الماضية؛ ليصبح مفهومًا محددًا بأسس ومبادئ ومنطلقات ومرتكزات يسير عليها القائد بالاشتراك مع فريق العمل لديه في سبيل إحراز النجاح في إدارته، ففي ثلاثينيات القرن الماضي كانت القيادة تهدف للسيطرة والتحكم، ثم تحول مفهوم القيادة إلى التعاون مع الفريق من أجل تحقيق أهداف مشتركة، واستمر البحث في هذا المفهوم من أجل الوصول إلى تعريف للقيادة يحقق معايير القيادة وأهدافها وأنماطها وسماتها.

وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي جرى تعريف القيادة بأنها القدرة على التأثير في الفريق من أجل تحقيق أهداف مشتركة، فهل القيادة سمة أم تأثير أم نمط أم قيم وسلوك؟

إنَّ المتأمل في هذه المفاهيم يدرك أن القيادة لها العديد من الأبعاد والسمات التي تتداخل فيما بينها لتشكل السلوك القيادي الذي يهدف لتطوير المنظمة وتحسينها وتطويرها من أجل تحقيق أهداف مشتركة بين القائد وفريقه، وهذا لا يتحقق إلا من خلال الأثر الفاعل الذي يصنعه القائد في فريقه.

ونتيجة لذلك، أصبح مفهوم التأثير الإيجابي في الفريق هو هدف القيادة، ويتحقق ذلك من خلال قدرة القائد على استخدام الأدوات التي يمتلكها، ومن أبرزها وأعلاها في المستويات هو القدوة التي تبرز من خلال السمات الشخصية والصدق والعدل والأمانة والإنصاف، فهذه من الأسس المهمة التي ترتكز عليها القيادة المؤثرة والفاعلة، وبالتالي فإن القيادة هي فعل أو سلوك القائد الذي يحدث تغييرًا أو أثرًا في الأفراد؛ من أجل تحسين وتطوير المنظمة.

إنَّ صناعة الأثر في المنظمة من قبل قائد مدرك لدوره في أهمية التطوير والتحسين والتغيير يتطلب أن يكون القائد، بالإضافة إلى القدوة الحسنة، متمثلاً للقيم الأخلاقية في سلوكه؛ بحيث تتجسد في أدائه العملي، فهي القاسم المشترك بينه وبين فريقه.

وفضلاً عن ذلك، لا بد أن يتسم القائد بسمات أخرى رديفة للقدوة والقيم الأخلاقية، ومنها الذكاء الوجداني، وأسلوب حل المشكلات على سبيل المثال، بالإضافة إلى العديد من المهارات التي تحقق للمنظمة تميزها. وهذا يتطلب بناء العديد من تلك المهارات لديه من أجل القدرة على التأثير في فريقه؛ فتناغم الفريق وفاعليته تتطلب أن يكون لدى القائد العديد من المهارات الاجتماعية والوجدانية التي تسهم في تحقيق أهداف المنظمة والتأثير في الفريق الذي يعمل فيه، فالذكاء العاطفي يجعل القائد يتحكم بمشاعره وأحاسيسه، كما يعزز مهارة الاستماع والإنصات لديه؛ ويخلق فرص تميزه وتحقيق النجاح في إدارته، فضلاً عن بعض المهارات مثل الذكاء الاجتماعي، وفهم فريق العمل لديه، ومعرفة قدرات كل واحد منهم وخصوصيته، واختيار المهام التي يقوم بها وإتقانها؛ مما يضمن نجاح ذلك الفرد في مهامه التي تتوافق مع أهداف المنظمة، وهذا يجعل المنظمة تحقق الفاعلية بين القائد وأتباعه.

ومن أهم تلك المهارات الإصغاء للآخرين، والاستفادة من آرائهم التي تسهم في تطوير الأداء المؤسسي، وتلك سمة القادة الفاعلين المؤثرين الذين لديهم بُعد نظر وفهم لعوامل التأثير في العاملين في المنظمة، وسعي حثيث نحو التميز، واستثمار قدرات الآخرين من أجل الإبداع واستثمار المواهب التي لديهم بما يعزز لديه الرؤية البعيدة، ويمكنه من استشراف المستقبل؛ حيث إن الاستماع للآخرين ومنحهم الفرصة لتوضيح وجهات نظرهم يمكنهم من شحذ هممهم نحو المشاركة الفاعلة لإبهار الآخرين بتميزهم وإبداعهم.

فالقائد المصغي لآراء فريقه ووجهات نظرهم، يعي أهمية الذكاء العاطفي والاجتماعي في سبيل صناعة التأثير في الآخرين؛ للكشف عن قدراتهم وإمكاناتهم التي تظل نقاط ضعف ما لم يتم اكتشافها والاستفادة منها في صالح المنظمة وتقويمها.

إنَّ الاستماع الجيد للآراء البناءة هو طريق المبدعين، وسبيل القادة الذين يرغبون في التميز والتطوير، ولا يستأثرون بالحديث، وإنما يعطون الطرف الآخر فرصة لإبداء الرأي وإظهار القدرات واستثمارها في نجاح العمل وتحقيق الأهداف والوصول نحو التميز، فكم من قائد أبدع بالاستماع، واستثمر القدرات والمواهب بالإنصات، وتمسك بهدوئه واستثمر قدرات فريقه، وتجاوز قصر النظر إلى بُعد النظر، علاوة على الاستئناس بأفكار فريقه التي هي محط الإبداع وطريق التميز.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.