كل ما نعرفه وندركه أنَّ الحرب لا تعني حلَّ أي قضية، بل هي الدمار بكل أنواعه وأشكاله، ولا يمكن تبرير الحروب ودوافعها طالما أنَّ المجال متاح لتلافيها، فحياة الشعوب غالية، والأوطان لا يمكن التخلي عنها أو تدميرها، ومن المفترض أن يسعى القادة والساسة في كل مكان لحل أي أزمة قد تؤدي إلى حرب.
في منطقة الشرق الأوسط الأحداث كثيرة ومتداخلة مع بعضها، وحتى نتجاوز كل هذه الأزمات يجب أن يكون العمل وفق خطوات واضحة، وتكون البداية بالشكل الصحيح، فالمنطقة عاشت توتراً وقلقاً بسبب السياسة الإيرانية والسياسة الإسرائيلية، لم يقتصر النفوذ الإيراني على دولة إيران فقط، بل تفرع حتى وصل للحوثي في اليمن، وتواجدها في سوريا من خلال 4000 مقاتل من حزب الله التابع لإيران، وحزب الله في لبنان، وجميعها تمثل أذرعاً لإيران تتحكم في كل سياساتهم، وتنفذ كل ما تطلبه الحكومة الإيرانية، حتى شعرنا في فترة من الفترات أنَّ إيران تفرض سيطرته على دول المنطقة دون رادع.
كل هذه الأحداث زادت غطرسة الحكومة الإيرانية، حتى ظن الإيرانيون أن باستطاعتهم التمادي والتوسع والدخول في العمق أكثر. هذا الخطر الإيراني كان يجب أن يواجه بأي طريقة ممكنة، فتحركت الدبلوماسية السعودية بشكل واضح، وتحديداً من لحظة خطاب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في فرنسا وحديثه عن السلاح النووي الذي قد تمتلكه إيران في 2025، حيث حذر من خطر كبير قد تتعرض له المنطقة لو حدث ذلك. من هنا، شعر الجميع بأنَّ الأمر استفحل وأصبحت السياسة الإيرانية الخارجية تمثل خطراً حقيقياً يهدد المنطقة، وبدأت المعالجة تحديداً بعد طوفان الأقصى وما فعلته حماس بدعم من إيران، والذي كان ضحيته الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل.
في وقتها، كان يجب أن توضع كل تفاصيل تلك الأحداث وما سبقها على طاولة عمل سياسي حقيقي يشترك فيه كل الدول التي ترتبط بعلاقات قوية مع بعض دول المنطقة بموجب مصالح مشتركة، والبداية تكون بحل كل جزئيات الأزمة، وبالفعل هذا ما حدث؛ انتهى خطر حزب الله بوفاة الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وتجريد الحزب من سلاحه، ولم يعد يشكل خطراً على لبنان وغير لبنان، وبعدها انتهى نظام الأسد، وأصبح هناك حكومة جديدة وعهد جديد تحت قيادة سورية مستقلة، وما زال العمل السياسي الداخلي قائماً في سوريا، دخلت الولايات المتحدة الأميركية في مفاوضات واضحة وصريحة مع إيران في محاولة ترمي لعقد اتفاقية تحمي المنطقة ومصالح أميركا في المنطقة، إلا أنَّ الغرور الإيراني كان ثمنه ضربة عسكرية من إسرائيل على أهداف مهمة في إيران ترتبط بالمواقع الحكومية العسكرية مع استهداف شخصيات كبيرة ومهمة لها قيمتها في العمل السياسي والذري، وقد تستمر هذه العمليات بين الجانبين على أن تكون هناك مساعٍ لإيقاف التصعيد، وهذا ما تسعى له الحكومة السعودية حتى لا تتفاقم الأزمة، وتتوسع دائرة الصراع، وتتضرر دول ليست طرفاً في هذه الحرب.
اليوم، في زمن التطور المذهل في نوعية الأسلحة وقوتها وحجم تأثيرها، يعد العمل على فرض السلام أمراً في غاية الأهمية، وحتى ينجح هذا الأمر يجب أن تكون الجهود مشتركة مع كثير من الدول ذات التأثير الدولي العميق والكبير مثل السعودية وفرنسا وأميركا وبعض من دول أوروبا لإيقاف الحرب التي ستؤثر في مصالح أميركا وأوروبا في المنطقة. إنَّ حل هذه الأزمة التي نشبت مؤخراً بين إيران وإسرائيل بشكل عملي غير مسبوق يحتاج جهوداً مشتركة حقيقية تتضمن تضامناً حقيقياً من جميع دول المنطقة، إذ قد تكون ضربة لها ضمانات على مستوى معين، لكن مثل هذه الأزمات لا يمكن أن نتنبأ بتفاصيلها وأبعادها وحجم الضرر حين تستمر.
المنطقة اليوم ليست بحاجة إلى أبطال، بل إلى من يفهم أن النار إذا اشتعلت، لا تفرق بين مخطئ ومصيب.