: آخر تحديث

حرب إسرائيل على إيران واقتسام التكلفة والغنائم

4
2
3

بلا توقيت سياسي، شنت إسرائيل حربها على إيران، وبلا ترتيب دبلوماسي ستستدرج إسرائيل العرب وأميركا وأوروبا لمشاركتها الحرب؛ تلك هي بدعة سياسة بنيامين نتنياهو، إسرائيل لا تفاوض إيران بالنيران، بل تفاوض حلفاءها بالنيران لمناصرتها.

بدقة عالية كانت الضربة التي شنتها إسرائيل على إيران خارج صندوق المناوشات الحربية، وخارج القصف الناري للضغط السياسي. هي طلقة بداية حرب لا رجعة فيها قبل تحقيق جزء رئيس من أهدافها؛ أقله تجريد إيران من مخالبها العسكرية التقليدية والمتطورة، وبتر شريان أذرعها، وإشغالها داخلياً بصراعات تتولد بآثار الضربة التي كسرت قواعد أهداف إيران الإستراتيجية المتمثلة بأيدلوجيتها التي تقنّع الطموح الإمبراطوري الفارسي بالثورية الشيعية، وتفريخ حركات توظفها في تحقيق الأهداف الفارسية المخاتلة.

جعلت هذه الضربة إيران تقف أمام الذين يتبنون شعاراتها خارجياً، والذين يحملون شعبيتها داخلياً عاجزة بائسة محبطة، مما يفجّر صراعات داخلية بينهم، تتجاوز أهداف إيران وسياستها، وتفرغها من محتواها، وتزجها في شبكة معقدة من تناحر إثني وقومي وديني، ينذر بتفكيك إيران، أو على الأقل يرمي في تيه تصارعي طويل الأمد.

لم يعد أمام إسرائيل أي خطوة تراجع عن تحقيق تدمير ملموس في بنية الدولة الإيرانية عسكرياً واقتصادياً وإيديولوجياً. ولم يعد أمام إيران فرصة ابتلاع الإهانة، والمراوغة في إخراج تمثيلي يحفظ ماء وجهها أمام شعبها وأذرعها، لكن ردّ إيران سيكشف وهم قوتها.

لم تقدم إسرائيل على الضربة إلا بعد أن حسمت عوامل تفوقها، بتقديرها لقوة إيران، وامتلاكها القدرة على شلها في مفاجآت تفوق ما رأيناه في حرب غزة وحزب الله. إنها حرب لن تنتهي إلا بنصر حاسم، يحول إيران إلى دولة مشغولة بضعفها ومشكلاتها وسيطول بها الزمن لنقل ركام أنقاض بناها العسكرية الخلبية، وبناها التحتية الواهنة، وسيكون الأمد قصيراً لإخلاء الشرق الأوسط من نفوذها وسياستها.

لم يكن غريباً على العرب أن يظهروا مربكين تجاه الضربة، وإن كانت رغبتهم ساحقة بالتخلص من هيمنة إيران وقواها العسكرية وأذرعها، لكن العرب يعرفون أنَّ إسرائيل لا تشارك أحداً بغنائم نصرها، وعلى العرب فقط تسديد جزء من فاتورة كلفة الحرب، وتحمل أجزاء من عبء آثارها في الفوضى التي ستجتاح إيران جراء الضربة وارتداداتها في المنطقة.

مشكلة العرب خوفهم من أن تتحول بلادهم إلى رهينة لإيران، واقتصادهم أسير انتقامها، وابتزاز العالم العربي بهما، وهذا الخوف مشروع لأن إسرائيل لا تتوجع لما يلحق باقتصاد العرب وأمانهم واستقرارهم. وإيران لن تنخدع بتصريحات العرب الشاجبة للعدوان الإسرائيلي وإداناتهم. لذلك لن تتوانى عن تهديد العالم بتوسيع حربها الانتقامية بضرب مواقع عربية إستراتيجية اقتصادية وعسكرية، من غير دغدغة القواعد الأميركية.

تلتقي أهداف إيران وإسرائيل في استدراج العرب للحرب لتحويلهم إلى رهينة، فهي مرغمة على الضغط على العرب وأميركا لإيقاف الحرب عليها. وإسرائيل ترغب في ابتزاز أميركا وأوروبا والعرب لدعمها في حربها عسكرياً ومالياً، وتشتيت قوى إيران بفتح الجبهات عديدة عسكرية واقتصادية وسياسية، فلا تحمل عبء الحرب منفردة.

إنها لعبة إسرائيل السياسية مفاوضات النيران، وهي نيران ليست للضغط السياسي، بل لربح الحرب من غير تنازلات، إذ تضع إيران تحت نيران جبهات أميركا وأوروبا والعرب، فتشلها وتبدد قواها، ويصير استمرارها في الحرب استنزافاً خاسراً يقترب من الانتحار، ومضاعفة عزلتها مقابل مضاعفة أنصار إسرائيل.

ضربة إسرائيل لن يستثمر فيها سواها، ولن يقتسم معها غنائم نصرها. إنما على الجميع أن يشارك في تكلفة الحرب. الضربة ليست ولن تكون أداة ضغط في تفاوض إيران مع أميركا، إنه تفاوض إسرائيل بالنيران المدمرة لا المهددة، والرابحة التي لا تقبل قسمة الغنائم وتفرض قسمة التكلفة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.