: آخر تحديث

المنطق المقلوب

6
5
5

كثيرون في عالم اليوم يروجون للمنطق المقلوب والفكر الأعوج، لا لفلسفة المنطق وواقعية المبادئ السياسية والثقافية والتفكير العقلاني، فتيار التخلف والجمود والغوغائية والخصومة الشخصية والاعتباطية الذهنية له حضور وجمهور.

المصفقون للمنطق المقلوب أكثر من الجمهور المؤيد للعقلانية ومنطق عدالة القانون والعدالة الاجتماعية والحياد الثقافي والسياسي، فالجهل له رواج، والتجهيل مادة تُدرس بشكل مباشر وغير مباشر من أصحاب الغوغائية والاعتباطية على مختلف المستويات!

أنصار المنطق المقلوب والفكر الأعوج لهم لغة استثنائية في الوعيد والترهيب وحشد الجماهير ضد الرأي الآخر والتعددية الفكرية والتنوع الاجتماعي وإثارة الفزع في النفوس والمجتمعات.

حتى الانتصار له منطق مقلوب، وكذلك تفسير الهزيمة يتم بتفكير أعوج وإيحاءات خبيثة بهدف تجذير المنطق المقلوب، الذي يربي الحقد والكراهية ويفزع لانتصارات وهمية ولا يعترف بواقع العصر وتحدياته من دون الاعتراف بالهيمنة السياسية والثقافية المتغيرة وخروجها عن المنطق!

والمنطق المقلوب لا يقبل بمناقشة المنتصر والمنهزم في عملية "الأقصى"، ولا يتقبل انتقاد حركة "حماس"، جناح الإخوان المسلمين الفلسطيني، ولا يميل للإقرار بأخطاء منظمة التحرير وحركتي "حماس" و"فتح" والفصائل الأخرى التي قادت إلى ولادة فصائل متناحرة وخلافات حول القضية العربية!

والمنطق المقلوب ذاته لا يهوى سوى ترجيح الصراعات العربية-العربية والخلافات الفلسطينية-الفلسطينية على السلام الشامل في شرق الأقلية والأغلبية والأنظمة المتسابقة نحو القوة والنفوذ، والمنطق المقلوب والفكر الأعوج يبجل ياسر عرفات ولا يتقبل التغيير ولا واقع الهيمنة السياسية المتغيرة وتحدياتها الجديدة!

التمييز على أساس عرقي وديني واجتماعي و"الجندر" (الذكر والأنثى) نجده في خطاب المنطق المقلوب حتى من جانب سلطة تجهل قيمة التنوع الاجتماعي والثقافي، ولا تتقبلها بقواعدها النظرية والواقعية وعائدها على السلطة المتعجرفة ذاتها، وتفضل قوة البطش والتعسف على الفهم والتفهم!

المنطق المقلوب له أدواته وأساليبه في قلب موازين الصواب والخطأ، والأجر والثواب، وذات الفكر الأعوج يجمع تناقض الأحكام، ويلتف حول غموض النصوص، واستغلال الثغرات في قراءة النوايا وتحليلها!

الانتماء والمواطنة لهما أكثر من تعريف وتحريف عند مصدر المنطق المقلوب وجماهيره والنخب السياسية المتحكمة بالرأي الأحادي والمُصدرة للغوغائية والتقسيم الاجتماعي وتفتيت نسيج المجتمع بمزاجية متسلطة واعتباطية ذهنية!

المساواة في المجتمع والدولة لها أكثر من مفهوم مغلوط وتفسير شرس وتبرير رخيص ومساومة وحشية في الشرق، فتلك لغة المنطق المقلوب وغايات غير نبيلة في منطق الإنسانية!

المشكلة الحقيقية في تفشي ظاهرة المنطق المقلوب في عالم عاصف بالنزعات والصراعات والظلم وفقدان الأمن والأمان في التفكير داخل الصندوق وخارجه لدرجة فقدان التوازن الذهني والتفكير العقلاني.

المشكلة والأزمة الحقيقية تكمنان في منطق التهميش للرأي الآخر ومنطق الاستبداد وانتصار المنطق المقلوب على الواقعية، والعقلانية العلمية، والإنسانية!

ضحايا المنطق المقلوب لا يُحصون، ولا رأي لهم ولا حماية قانونية ولا حقوق، لأنهم مجرد ضحايا وأرواح لا قيمة لها في عالم المنطق المقلوب والفكر الأعوج!

أما المضاعفات فهي من نصيب أهل المنطق والعقل في حين لا يتحمل أصحاب المنطق المقلوب أي تبعات، وليس لهم مرجع مستقر وواضح سوى إقصاء الرأي الآخر والتعددية الفكرية والعدالة الاجتماعية لزرع الفزع في عقول تبحث عن الإنصاف والمنطق والتفكر العقلاني!

*إعلامي كويتي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.