عبر مفارقة تاريخية ساخرة وقاسية، قد يخبرنا الزمن أن دونالد ترامب هو غورباتشوف أميركا.
وبرغم أن غورباتشوف كان مفكرًا يحاول إنقاذ إمبراطورية تنهار، فإن محاولاته المتأخرة لم تنقذه، كالقول العربي:
وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟!
أما ترامب، فهو شخص سطحي نرجسي قد يهدم الإمبراطورية وهو يصفق لنفسه، ويظن أنه يعيد لها عظمتها، تلك العظمة التي تآكلت يوم تخلّت أميركا عن القيم والمبادئ التي رفعتها يومًا فوق العالم.
فالأمم لا تسقط حين تضعف جيوشها، بل تسقط حين تتخلى عن مبادئها.
كان غورباتشوف رجلًا عقلانيًا، واجه انهيارًا داخليًا بكل وضوح، وحاول أن يبثّ الحياة في نظام يحتضر.
أطلق مشروعَيْه الكبيرين: البيريسترويكا (إعادة البناء)، والغلاسنوست (الشفافية).
لم يكن طاغيةً، بل مفكرًا أدرك أن القوة بلا إصلاح لا تعني إلا السقوط.
ورغم نيته الحسنة، سقط الاتحاد السوفيتي سقوطًا حتميًا، لأن الإصلاح جاء متأخرًا جدًا.
فالإصلاح الذي لا يأتي في وقته، ليس إلا خسارة إضافية للزمن والجهد.
أما ترامب، فلم يأتِ ليصلح… بل جاء ليُبهر، ويتصدر، ويصفق له الجمهور.
وذلك النوع من القادة النرجسيين لا يسعى لبناء مشروع وطني، بل لمشروع ذاتي يمجّد صورته.
والدول لا تُبنى ولا تنهض إلا بقادة أكبر من غرورهم… وأصدق من حب الذات والثناء.
لم يتبنَّ ترامب مشروعًا وطنيًا جامعًا، بل أطلق صراعًا في كل اتجاه: عرقي، طبقي، أيديولوجي، مؤسساتي… حتى أصبح مادة خامًا للانقسام داخل واحدة من أعظم الإمبراطوريات التي تأسست على التنوع، والعدالة، والحرية، واحترام كرامة الإنسان.
ورغم التناقضات، هناك تشابه بينهما:
كلاهما واجه أمة تهتز داخليًا.
كلاهما كشف صدوعًا كانت تُخشى مواجهتها.
وكلاهما كتب نهاية مرحلة تاريخية.
لكن الفارق كبير: غورباتشوف كتب نهاية مرحلته بفكر، وترامب يكتب مرحلته الجديدة بنرجسية بلا فكر.
وبرغم ما يعلنه ترامب من شعارات براقة، مثل إعادة أميركا لعظمتها، فإن ما يقوم به اليوم لا ينقذ أميركا… بل يُعرّيها.
وما لم تعُد أميركا إلى قيمها، فقد يكون ترامب، رغم نرجسيته، هو الشخصية الرمزية التي تقودها للنزول من أعلى الشجرة.
ولا نقول “السقوط الرمزي”.
ربما كان غورباتشوف سببًا رمزيًا في سقوط إمبراطورية وهو يحاول إنقاذها، وقد يكون ترامب سببًا رمزيًا في سقوط إمبراطورية يدّعي أنه يجعلها عظيمة مرة أخرى.
وربما… هو لا يدرك حتى أنه يدفعها نحو الانهيار.
والحقيقة، أنه لا غورباتشوف كان سببًا مباشرًا لسقوط الاتحاد السوفيتي، ولن يكون ترامب وحده سببًا لما قد يحدث لأمريكا.
بل كلٌّ منهما… انعكاس لحالة مجتمع وشعب ونظام.
ومن ينظر إلى القائد دون النظر إلى الأمة التي أنجبته… لا يرى الصورة كاملة.