: آخر تحديث

‏حين تبتسم الحياة... في لحظة الوداع

7
6
5

بين الزغاريد والدموع، قد يكون الفرح خاتمة العمر...
وما أكرمها من خاتمة!

في لحظات نادرة، تمتزج الحياة بالموت بطريقة لا يمكن تفسيرها إلا بعمق الإيمان وسكينة التسليم. لحظات يرى فيها البعض مأساة، بينما يراها آخرون اكتمالاً لصورة أجمل. من بين مئات القصص التي تتكرر في مجتمعاتنا، اخترت حالتين واقعيتين – إحداهما حديثة، والأخرى مضى عليها سنوات – لأقرب بها الفكرة لا أكثر، فهما مجرد مثالين من بين كثير، يلخصان كيف يمكن أن تكون نهاية الإنسان لحظةَ الفرح.

مشهد العُرس: صورة العمر... ثم الرحيل
في أحد الأفراح مؤخرًا، تحوّلت ليلة العمر إلى لحظة وداع، حين صعد أبٌ إلى "الكوشة" ليلتقط صورة مع ابنته العروس، وسط تصفيق الحضور وزغاريد الأمهات. كان وجهه مشرقًا، وعيناه تلمعان بفخرٍ أنهى بهما رسالته كأب. لكنه – وقبل أن يبتسم للكاميرا – سقط مغشيًا عليه، ولفظ أنفاسه الأخيرة وسط الأزهار والأمنيات.

قد يراها البعض مأساة... لكنها أيضًا لحظة ختام فيها من الرضا ما لا يُقال. رجل أدى رسالته، وزفّ ابنته، ثم مضى محاطًا بمن يحب.

أليس الموت – حين يأتي في لحظة اكتمال – هديةً لا يُقدّرها إلا من عرفوا قسوة الفراق في أوقات الضياع؟

الموت في ذروة المجد: هل هو لعنة أم نعمة؟
تذكرت هنا وفاة الفنان المصري سعيد طرابيك، الذي توفي بعد شهرين من زواجه بامرأة تصغره بأربعين عامًا. سخر البعض، وتأوّل آخرون، وكأن السعادة – في نظرهم – جريمة لا تُغتفر. لكن طرابيك اختار أن يعيش حلمه، ولو لفترة وجيزة. لقد مات وهو يضحك، بعد أن ذاق طعم الفرح. فهل يُلام لأن الأجل لم يُمهله؟ أم يُحسد لأنه اختار – بإرادة أو بقدر – أن يغادر العالم من بابه الأجمل؟ لقد كتبت وقتها أرثيه وأغبطه أيضًا على النهاية الجميلة التي اختارها، فالرجل اختار الزواج، وهو يعي فارق السن، وكذلك عروسه... لكن حانت ساعة وفاته ومات وهو سعيد، فكان له نصيب من اسمه.

الحقيقة أن البعض منا يرفض هذه النهايات لأنها تُذكره بحقيقة مؤلمة: أننا لا نملك اختيار توقيت رحيلنا. لكننا نملك – دون شك – اختيار كيف نعيش ما قبلها.

اللحظة الأخيرة... ليست دائمًا مأساوية
في مجتمعاتنا ثمة خلل غريب: نتعاطف مع من يموتون في الظلام، لكننا نتشكك في سعادة من يموتون تحت الأضواء. كأننا نعتقد – دون وعي – أن الموت يجب أن يكون مأساويًا ليكون "شرعيًا". ننسى أن الله قد يُكرم عبدًا بفرح أخير، كأنما يقول له: "لقد أتممتَ مهمتك... فاسترح الآن."

والحقيقة أن هؤلاء الراحلين، سواء في ليلة عرس أو في لحظة ضحك، عاشوا لحظاتهم بصدق، ولم يؤخرهم الخوف من كلام الناس.

درس الحياة: عش كما تحب، ووكل أمرك لله
يقول الله تعالى:
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} - [لقمان: 34]

تلك ليست مجرد تذكرة بالموت، بل دعوة للحياة.

فإذا كنا لا نملك موعد النهاية، فلنملك على الأقل شكلها: نعيش بفرح، ونحب بلا وجل، ونقبل على اختياراتنا بثقة وتوكل. ربما نُمنح حينها وداعًا جميلاً، يشبه ما تمنيناه طيلة العمر.

ذلك الأب لم يعش ليرى أحفاده، وطرابيك لم يُمنح وقتًا ليُثبت أن زواجه كان "صحيحًا". لكن كليهما غادر في لحظة قالا فيها للحياة: "شكرًا". ربما هذا هو المعنى الحقيقي للرضا: أن تعيش كما تريد، ثم ترحل حين يشاء الله، دون خوف من كلام الناس.

ختامًا: اكتب نهايتك بالفرح
ليست النهايات السعيدة حكرًا على الأفلام. فبعض النفوس تشرق حتى في آخر أنفاسها. فلماذا لا نجرب – نحن أيضًا – أن نعيش كما لو أن كل يوم قد يكون الأخير؟ ليس بالموت نفكر، بل بالحياة التي نستحقها قبل الموت.

فلنحبّ بجرأة، ونضحك بملء قلوبنا، ونزفّ أحلامنا إلى الواقع... فربما نُمنح – مثل ذلك الأب وطرابيك – وداعًا جميلًا، يُغني عن عمر طويل.

"رب موتةٍ في السعادة خيرٌ من حياةٍ في الشقاء."


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.