في قلب المشهد السياسي الذي رسم ملامح العلاقات الأميركية - الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، شكّلت إيران محور التباين الأبرز بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أن يعود الطرفان إلى التحالف الاستراتيجي على وقع الضربات التي وجهتها تل أبيب إلى طهران في الساعات الأخيرة.
ترامب، الذي دخل البيت الأبيض وهو يؤمن بقدرته على "عقد الصفقات الكبرى"، كان مقتنعًا بأن الحوار المباشر مع إيران قد يفضي إلى اتفاق شامل ينهي طموحات طهران النووية، ويضع حدًا لنفوذها المتنامي في الشرق الأوسط. هذا الاعتقاد دفعه إلى إرسال إشارات انفتاح متعددة نحو القيادة الإيرانية، خاصة بعد انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018، على أمل فرض "صفقة أفضل" عبر الضغط والحوار في آن واحد.
لكن نتنياهو كان يرى الصورة من زاوية مختلفة تمامًا. رئيس الوزراء الإسرائيلي ظل متمسكًا بنظرية ثابتة مفادها أن إيران ليست في طور إعادة النظر بسلوكها، بل تمارس لعبة الوقت بمهارة عالية، ريثما تعيد ترميم أذرعها المتهاوية في المنطقة. فبالنسبة له، انهيار أدوات إيران في سوريا ولبنان والعراق واليمن لم يوقف مساعي طهران التوسعية، بل زاد من تمسكها بأوراقها المتبقية لتعويض الخسائر.
ولعل من أبرز المغالطات التي انساقت خلفها بعض الأوساط، هي الاعتقاد بأن امتناع إيران عن الردّ الفوري في كثير من المواقف نابع من إتقانها لفن "حياكة السجاد"، المعروف بصبره وتعقيده. لكن الواقع يُظهر أن طهران، خلال السنوات الماضية، كانت تمارس دورًا أقرب إلى النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، لا صبرًا بل عجزًا، إذ كانت تدرك أن قدرتها على فرض معادلة الردع شبه معدومة في ظل التفوق الإسرائيلي تقنيًا وعسكريًا واستخباراتيًا.
الخرق الإسرائيلي المتواصل، والعميق، لما يُعرف بـ"محور المقاومة" — سواء عبر استهداف الوكلاء الإقليميين، أو ضرب مواقع تتبع للراعي الرسمي في إيران، وتنفيذ عمليات في الداخل الإيراني أيضًا — لا يترك مجالًا للشك في أن هذا المحور يعاني من انكشاف كبير وخطير، ما ينذر بسقوط محتوم إن لم يكن بسبب الضربات الخارجية، فبسبب التآكل الداخلي وبدء فقدان الشرعية الشعبية في أكثر من ساحة.
وبالرغم من التصعيد الإسرائيلي الكبير، لم يُتخذ بعد القرار الحازم حتى اللحظة، بإسقاط النظام الإيراني، بالرغم من تصفية أبرز القادة العسكريين والمهندسين النوويين، فمجرد عدم استهداف مرشد الثورة علي خامنئي يعني أن القرار بإحضار النظام إلى طاولة المفاوضات وهو في أضعف حالاته، وفرض الشروط التي يريدها الأميركيون والإسرائيليون. وبحسب المعلومات، فإن ما يقلق إسرائيل أيضًا محاولات تركيا تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، وبالتالي قدرة أنقرة على ملء الفراغ بسرعة، وهي لم تُخفِ طموحاتها في تعزيز نفوذها الجيوسياسي، وهو ما قد يعيد رسم التوازنات الإقليمية بطريقة أكثر تعقيدًا من الواقع الحالي.
هكذا، وبين رؤيتين متناقضتين - واحدة كانت تراهن على الدبلوماسية، وأخرى تؤمن بالردع الاستباقي - شكّل الملف الإيراني ساحة تباين مؤقت بين ترامب ونتنياهو، قبل أن تفرض الوقائع من جديد تقاطع المصالح وتمتين التحالف، كما أن مستقبل إيران قد يكون مرهونًا بصراعات كبرى تتجاوز حسابات النظام نفسه.