: آخر تحديث

أسرار انفجار الصراع بين الهجري والشرع

15
13
10

كان بمقدور الرئيس الانتقالي لسوريا، أحمد الشرع نزع فتيل التفجير مع الدروز حتى قبل اشتعاله، وتحديداً في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2024 بعد أقل من 15 يوماً على سقوط نظام بشار الأسد.

يومها، زاره وفد يضم وجهاء من المحافظة يمثلون الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، لتقديم واجب التهاني والتبريكات بسقوط النظام، والاستماع إلى وجهة نظر قائد إدارة العمليات العسكرية يومها، ورؤيته لسوريا الجديدة.

مع وصول أحمد الشرع إلى قصر الشعب، والتبديل الجوهري الذي طرأ على خطابه، وكلامه عن ضرورة عدم سفك الدم والانتقام، والتشديد على ضرورة بناء سوريا، كان من المتوقع أن تشهد العلاقة مع السويداء وقائدها الهجري انطلاقة إيجابية؛ فقبل سقوط الأسد بعام ونصف، وفي غمرة الحديث عن استعادة النظام قوته والانفتاح العربي عليه، وتشتت معارضيه بين ريف حلب، وإدلب، والرغبة التركية بفتح قنوات اتصال معه، أطلق الشيخ حكمت الهجري ثورة السويداء مطالباً بتطبيق القرار 2254 وانتقال السلطة.

الدروز المعروف عنهم بخصوصياتهم في الدول التي يتواجدون فيها، والذين ذاقوا الأمرين عام 2015 في ريف إدلب من جبهة النصرة قبل تحولها إلى هيئة تحرير الشام، وجد وفدهم الذي زار الشرع أنَّ الأخير لا يعطي اهتماماً كبيراً لهذا الواقع، بل ذهب حد إبلاغهم علناً بأنَّ لا خصوصية لأحد في سوريا تحت حكمه، وبالتالي بدأت موجة الحذر بالطغيان على التفاؤل الذي ساد بعد سقوط النظام.

كانت السويداء تعاني في زمن حكم بشار الأسد من معادلة الولاء مقابل الخدمات، ومع مرور الأسابيع الأولى بعد سقوط النظام، أوشكت مادة الأوكسيجين على النفاذ من مستشفيات المحافظة، رغم أنَّ هذه المادة موجودة بكثرة في سوريا، بدليل إقدام الأسد على تقديمها بكميات كبيرة للبنان في السنوات الأخيرة، لكنَّ المحافظة بقيت تعاني فترة قبل أن تصلها إمدادات السلطة الجديدة.

الشيخ الهجري من جهته طرح منذ البداية ضرورة انعقاد مؤتمر وطني وإنشاء نظام حكم لامركزي إداري ومالي، وإعلان دستور مدني يحفظ حقوق السوريين، ومع بدء ظاهرة انتشار أخبار تعيين محافظين عبر مواقع التواصل كتويتر وتلغرام، طالب أهل السويداء بتعيين محافظ من الشخصيات التي ثارت على النظام في المحافظة، وتعيين قائد للشرطة لضرورة حفظ الأمن، لكنَّ الشرع قابل طلبهم بتعيين محافظ آخر، وقائد شرطة من خارج المحافظة.

المواجهة الأولى بين الطرفين وقعت ليلة رأس السنة، عندما أرادت هيئة تحرير الشام كسر اتفاق ضمني ينص على تولي أبناء المحافظة مسؤولية الحفاظ على الأمن، مع قيامها بإرسال رتل عسكري للدخول إلى المدينة والسيطرة على الإدارات والمؤسسات تحت جنح الظلم. اصطدم الرتل بمقاتلي المحافظة الذين أجبروه على الانسحاب، فكانت هذه أولى حلقات الصدام وأيضاً أول انتكاسة للإدارة الجديدة بقيادة الشرع بعيد عجزها عن تنفيذ ما أرادته رغم كل الزخم المكتسب بعد 8 كانون الأول (ديسمبر).

في الشهرين الأولين من العام الحالي، بقي الستاتيكو القائم على حاله؛ أحمد الشرع في دمشق، والشيخ الهجري يمسك بزمام الأمور في السويداء، وكان الأول يرد على سائليه عند سؤالهم عن رؤيته للتعامل مع الهجري بالقول إنَّ ملف السويداء مجرد تفصيل، وإنه قادر على صناعة ودعم شخصيات وحيثيات محلية بمقدورها تقويض نفوذ الرئيس الروحي لطائفة الموحدين خلال فترة قصيرة.

بقي الامر على حاله حتى وقعت مجازر الساحل السوري؛ فبظل انشغال الجميع بما كان يحدث في الساحل يوم السادس من آذار (مارس)، كان للدروز حصة من الأخبار التي نشرتها السلطة السورية بشكل مباشر أو عبر الأذرع غير الرسمية، فسلطة دمشق ومع بدء نداءات الجهاد في الجوامع للحشد العسكري نحو الساحل، نشرت خبراً يتعلق بتمكن أجهزتها الأمنية من إلقاء القبض على إبراهيم حويجة، وقدمت الخبر على أن قواتها تمكنت من إلقاء القبض على قاتل الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، وللمفارقة وبعد مرور شهرين تقريباً من الإعلان، لم تنشر حكومة الشرع حتى اللحظة أي صورة لحويجي موقوفاً كما تفعل عادة مع كل عملية اعتقال لعنصر أمني كان تابعاً للنظام الساقط، وأيضاً في الوقت نفسه بادرت أجهزتها غير الرسمية لنشر أخبار ومزاعم تتعلق بخطط قدمها الدروز لتنفيذ انقلاب على حكم الشرع.

الدماء التي سالت في الساحل، دفعت بالهجري إلى التصعيد بوجه حكم الشرع، ومع توالي الأحداث خصوصاً الاعلان الدستوري، والحكومة الجديدة، رفع رئيس الدروز من منسوب تصريحاته وصولاً إلى حد عدم الاعتراف بسلطة غير منتخبة ديمقراطياً، ولم تنجح الأخبار الإعلامية المتداولة والتي ثبت عدم صحتها خلال آذار (مارس)  عن اتفاق بين دمشق والسويداء في إسقاط المحافظة من الداخل، خصوصاً في الأيام التي أعقبت الإعلان عن اتفاق قسد والشرع.

وتفجر الصراع هذا الأسبوع  بشكل أكبر متخذاً بعداً دموياً بعد التسجيل الصوتي المزعوم، والهجمات التي استهدفت الدروز في صحنايا، وجرمانا، ثم السويداء، ولعل يوم الخميس الفائت كان ليشكل منعطفاً حاسماً بعد الضغط الهائل الذي مارسته السلطة لتطويع الدروز، خصوصاً في معقلهم بالسويداء، فالسلاح الثقيل في المحافظة كاد أن يُسلّم لولا تدخل الهجري في اللحظات الأخيرة ورفضه القطعي هذا الأمر، مدعوماً بالفصائل العسكرية المسلحة على الأرض، ومذكراً بما حدث في الساحل وصحنايا.

ومع توالي الأنباء في الساعات الأخيرة عن الوصول إلى حل مع السويداء، ورغم أنَّ ما نشر من بنود يتضمنه الاتفاق أثار غضب مؤيدي السلطة في دمشق باعتبار أنه يعطي الهجري انتصاراً واضحاً وإقراراً غير معلن بالإدارة الذاتية، غير أنَّ المعلومات تشير إلى أنَّ الأمور لا زالت على حالها، فسلطة دمشق في دمشق وسلطة السويداء في السويداء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.