: آخر تحديث

برنامج إيران النووي: بين الخداع المستمر وضرورة المراقبة الدولية

4
3
4

في ظل تصاعد التوترات الدولية حول البرنامج النووي الإيراني، تتجدد الدعوات إلى فرض رقابة دولية صارمة ومستمرة على منشآت النظام الإيراني. منذ بدء عمليات التفتيش الدولية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حاول النظام الإيراني بشتى الطرق جعل هذه العمليات فضفاضة وغير دقيقة، مما سمح له بمواصلة أنشطته النووية السرية بعيداً عن أعين المجتمع الدولي. هذا الخداع الممنهج، الذي استمر عقوداً، يضع العالم اليوم أمام اختبار حاسم: هل ستتمكن الجهود الدبلوماسية من كبح جماح طموحات النظام النووية، أم أن سياسة الاسترضاء ستفتح الباب مجدداً لتهديدات جديدة؟

خداع نووي بمساعدة التفتيش "الفضفاض"
لطالما كان البرنامج النووي الإيراني مصدر قلق عالمي، ليس فقط بسبب طموحاته المحتملة لامتلاك أسلحة نووية، بل بسبب استراتيجية النظام في إخفاء هذه الأنشطة. منذ بدء عمليات التفتيش الدولية في التسعينيات، حرص النظام على تقويض فعالية هذه الجهود من خلال تقديم معلومات مضللة، منع الوصول إلى مواقع عسكرية حساسة، واستغلال ثغرات الاتفاق النووي لعام 2015 (JCPOA). هذا الاتفاق، الذي استثنى مواقع عسكرية من التفتيش، سمح للنظام بمواصلة أنشطته المشبوهة تحت غطاء الشرعية.

السيدة مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، حذرت مراراً من هذا الخداع الممنهج. وفي تصريحاتها المتكررة، شددت على ضرورة فرض رقابة دولية صارمة تشمل جميع المنشآت، بما فيها العسكرية، لضمان عدم قدرة النظام على تطوير أسلحة نووية. وتؤكد المقاومة الإيرانية، بناءً على معرفتها العميقة بأساليب النظام، أن أي اتفاق نووي لا يتضمن هذا الشرط سيظل حبراً على ورق.

ضغوط أوروبية واستجداء إيراني
في الوقت الذي تتجدد فيه المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، برزت أوروبا كلاعب رئيسي في تشديد الضغوط على طهران. في تصريح صريح خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، أعلن وزير الخارجية الفرنسي أن بلاده لن تتردد في تفعيل "آلية الزناد" المنصوص عليها في القرار 2231، والتي ستعيد فرض العقوبات الأممية على إيران إذا فشلت المفاوضات في تحقيق نتائج ملموسة. هذه العقوبات، بحسب الوزير، ستحرم إيران من الوصول إلى التكنولوجيا والأسواق الأوروبية، مما سيفاقم أزماتها الاقتصادية المتفاقمة.

رداً على هذه التهديدات، لجأ النظام الإيراني إلى دبلوماسية مزدوجة تجمع بين الاستجداء والتهديد. عباس عراقچي، وزير الخارجية الإيراني، وجه رسائل متتالية إلى باريس ولندن وبرلين، مقترحاً التعاون بدلاً من المواجهة، وحتى عرض زيارة هذه العواصم لمناقشة بدائل دبلوماسية. في الوقت ذاته، اقترح النظام عقد لقاء طارئ مع الترويكا الأوروبية في روما لتقييم موقف أوروبا من آلية الزناد. لكن هذه الجهود لم تلق استجابة واضحة حتى الآن، مما يعكس تصلب الموقف الأوروبي.

ومع ذلك، لم يتردد النظام في إطلاق تهديدات مضادة. تصريحات منسوبة إلى لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني أشارت إلى احتمال انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) إذا تم تفعيل آلية الزناد. هذا التخبط بين الاستجداء والتهديد يكشف عن عمق الأزمة التي يعيشها النظام، الذي يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية متزايدة.

الموقف الأميركي: رقابة ميدانية ورفض التساهل
على الجانب الأميركي، تتصاعد الدعوات إلى تبني نهج صلب في المفاوضات. وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أكد في حديث لشبكة "فوكس نيوز" أن أي اتفاق نووي مستقبلي يجب أن يتضمن رقابة أميركية ميدانية لضمان امتثال إيران. وشدد روبيو على ضرورة الوصول إلى جميع المواقع النووية، بما في ذلك المنشآت العسكرية التي استُثنيت سابقاً. هذا الموقف يتماشى مع دعوات المقاومة الإيرانية، التي طالبت منذ سنوات بإنهاء الثغرات التي استغلها النظام في الاتفاقات السابقة.

تصريحات روبيو تعكس تحولاً في النهج الأميركي، خاصة بعد فشل سياسة الاسترضاء التي سمحت للنظام بتطوير برنامجه النووي دون رادع. ومع عودة إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، يبدو أن واشنطن عازمة على فرض شروط أكثر صرامة، مما يضع النظام الإيراني في موقف حرج.

آلية الزناد: الحل الوحيد لكبح النظام؟
في ضوء هذه التطورات، تبرز آلية الزناد كأداة حاسمة للحد من طموحات النظام النووية. السيدة مريم رجوي، التي حذرت قبل عقد من الزمن من مخاطر الاتفاقات غير الموقعة، أكدت أن تفعيل هذه الآلية وإعادة تطبيق القرارات الستة لمجلس الأمن هي السبيل الوحيد لمنع النظام من امتلاك القنبلة النووية. هذه الدعوة تلقى اليوم صدى متزايداً في الأوساط الدولية، خاصة مع تصاعد القلق من قدرة النظام على استغلال المفاوضات لكسب الوقت.

إنَّ تفعيل آلية الزناد لن يعيد العقوبات الأممية فحسب، بل سيرسل إشارة واضحة إلى طهران بأن المجتمع الدولي لن يتسامح مع المراوغة. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل ستتمكن الدول الغربية من توحيد موقفها لاتخاذ هذه الخطوة الحاسمة، أم أن الانقسامات الداخلية ستعيق التقدم؟

خاتمة
تواجه المفاوضات النووية مع إيران لحظة مفصلية. النظام الإيراني، الذي يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية داخلية، يحاول الموازنة بين الاستجداء الدبلوماسي والتهديدات العدائية. في المقابل، يبدو أن المجتمع الدولي، بقيادة أوروبا والولايات المتحدة، قد بدأ يدرك ضرورة التخلي عن سياسة الاسترضاء التي أتاحت للنظام مواصلة خداعه لعقود. يجد النظام نفسه في زاوية ضيقة، محاصراً بضغوط خارجية متزايدة ومخاوف داخلية من انهيار اقتصادي شامل.

إنَّ الرقابة الدولية الصارمة والمستمرة، بما يشمل الوصول إلى جميع المنشآت النووية، هي الضمانة الوحيدة لمنع النظام من تحقيق طموحاته النووية. ومع تزايد الضغوط الدولية، بما في ذلك التهديد بتفعيل آلية الزناد، يجد النظام نفسه أمام خيارات محدودة. العالم يراقب، والوقت ينفد. هل ستتمكن الدبلوماسية من تحقيق اختراق، أم أن التصعيد بات أمراً لا مفر منه؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.