: آخر تحديث

بالعقل يتغير واقعنا

8
9
6

لسنا في حاجة لأن نسأل: متى تضعف الولايات المتحدة الأميركية، وتتقهقر وترفع يدها عن كل ما يحدث في هذا العالم؟ لأنه سؤال بليد لا يقدّم ولا يؤخّر، ولن يحدث معه أي تقدم أو تحوّل. نحن في حاجة إلى النهوض، وهذا النهوض يحتاج إلى تغيير في طريقة تفكيرنا، حتى يتغير معه كل المشهد السياسي القائم، وما سيحدث في المستقبل. لا يمكن أن نلوم أميركا: لماذا أصبحت قوية؟ ولماذا ظلّت حضارتها مزدهرة؟ وكيف لها أن تبقى قوية كما هي، وتعزّز في كل مرحلة من قوتها؟ ليس لنا أن نقلّل أو نُقنّن من صلاحياتها، فبواقع القوة يمكن أن تتوسع هذه الصلاحيات.

نحن في العالم العربي والإسلامي نتوهّم كثيراً حين نعتقد أن الإمبراطورية الأميركية ستزول أو تضعف على المدى القريب أو البعيد! هذه الأفكار والأوهام لن تصنع دولاً قوية، ولن تغيّر من الواقع شيئاً.

نحن في العالم العربي نعيش صراعات ليس لها مبرر، وفي الوقت نفسه لا تجعلنا هذه الصراعات نتقدّم ونُحسّن من قوتنا، ونؤسس مستقبلاً للأجيال القادمة. هناك اجتهادات خاصة وبسيطة في بعض الدول، وكل خطوة إلى الأمام هي بالتأكيد مهمة ولها وقعها في حياة الدول وشعوبها، لكن أيضاً هذا لا يكفي. الواقع اليوم يتحدث عن نفسه، والصورة الواضحة لنا اليوم هي أن هموم أمتنا كثيرة ومتفرعة، ومفاتيح السيطرة عليها ليست بأيدينا، وطرق البحث عن تلك المفاتيح لن تأتي برفع السلاح أو تدبير المكائد في الخفاء لعلّ الوضع يحدث فيه فجوة يمكن أن نستفيد منها، ونصنع التغيير المنتظر في تفاصيل القوة. هذه خزعبلات لن تقدم للأمة أي انتصار على كافة الأصعدة.

الانتصار الحقيقي أن نخوض معركة حقيقية مع العلم والتعلّم، وأن يكون لدينا شغف حقيقي لتغيير هذا الواقع المخجل المنكسر الذي يتوغّل في وجداننا، دون أن تكون لدينا ردة فعل فعلية تسير بنا نحو مستقبل أفضل. لن يتغير شيء، كل من يناقشون أفكار الحرب والقوة هم أشخاص مندفعون، ولا يبدو أنهم يبحثون عن مصلحة حقيقية لأمة تعيش تحت الضغط. فأمتنا العربية لا تقوى على الدخول في صراعات من هذا النوع، بل إن من يملكون القوة ولديهم قرارات الحسم في أي لحظة لا يلجؤون إلى القوة ويضعونها في آخر خياراتهم، كما يفعل ترامب الآن مع إيران.

وعلى النقيض، ما يحدث في غزة وسر تمسّك حماس بالسلاح، والشعب الفلسطيني يُقتل ويُهجّر. فهل استطاع سلاح حماس أن يحمي الشعب ويفرض شروطه، ويمنح أهل غزة الاستقرار والراحة؟ خيار الحرب كان خاسراً من البداية، ويتحمّل مسؤوليته من أشعل فتيل هذه الحرب وترك بسببها ألوفاً من الضحايا والجرحى، وما زالت الأعداد في ازدياد، بينما على الطرف الآخر الخسائر لا تُذكر، ولا يمكن أن تُشكّل خطراً على القوة الإسرائيلية.

لذلك، اليوم يُفترض أن الأمة تبحث عن فرص السلام والنجاة من أتون الحرب، وتتفرّغ الأمة للتنمية، والتسلّح بالعلم والسعي للتطوير والتقدّم. القوة الحقيقية تبدأ من مرحلة الهدوء والاعتماد على العقل ودراسة تفاصيل كل خطوة. لن تدوم القوة لأحد، ولن يبقى الضعف مدى الحياة، وحتى نحقّق هذا التحوّل، ونعيش حياة القوة والتأثير نحتاج إلى عقولنا. والعقل في هذا الوقت لا يجعلنا نقف في صفّ الحرب، بل في الاتجاه الآخر، ونقلّل الخسائر، ونسعى جاهدين لحل كل مشاكلنا من على طاولة المفاوضات على أن نعيش ضمن إطار السلم والسلام، حتى يتغيّر حالنا، وتصبح دولنا منتجة ولها دور واضح وحقيقي في هذا العالم.

تجارب شرق آسيا دليل واضح على ما نقوله ونتمناه. فقد عاشوا أزمات كثيرة وحروباً كانت سبباً في دمار كل شيء، وحين استوعبوا المشهد اختفوا عن المشهد العالمي في سبيل أن تتحقّق لهم مكتسبات فعلية ضمن خطط مستقبلية، وقد حدث لهم كل ما أرادوا. الصين اليوم عنوان جيّد لاقتصاد عظيم، الكوريتان عسكرياً في أفضل حالاتهما، اليابان وماليزيا وغيرهم.

أمتنا العربية والإسلامية تحتاج إلى أن تغيّر من طريقة التفكير حتى يتغيّر واقعها.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.