السؤال الأكثر إلحاحاً منذ بدء الضربات الأمريكية الواسعة ضد الحوثيين في 15 مارس 2025 هو: هل ستنجح استراتيجية الرئيس دونالد ترامب في تحقيق أهدافها المعلنة بإنهاء تهديد الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر؟ الإجابة على هذا السؤال هي أن فرص نجاح الضربات العسكرية القاسية ضد الحوثيين تبدو عالية، وذلك استناداً إلى الخبرات العملية السابقة التي تشير إلى أن الحوثيين سيتكبدون خسائر استراتيجية فادحة في رؤوس قياداتهم ومقراتهم والأبنية التي يمكن أن تتواجد فيها القيادات أو الأسلحة. ومما يؤكد هذا التقدير أن الضربات الأمريكية لن تستثني أي هدف استراتيجي، ولن يسلم من الدمار كائن من كان، وهو ما يفسر التحركات المتسارعة لدول إقليمية لإيجاد صياغة هدنة وعدم إتاحة الفرصة للأمريكيين للقضاء على قوة الحوثي، الذي يمثل الذراع الأهم حالياً في المنطقة لتنفيذ الأجندة الإيرانية.
عامل الحسم في هذه المعادلة يكمن في القدرات العسكرية الأمريكية الهائلة والتفوق التكنولوجي الساحق الذي تتمتع به الولايات المتحدة، حيث تمتلك واشنطن ترسانة عسكرية متطورة من الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة والقاذفات الاستراتيجية، فضلاً عن قدرات استخباراتية متفوقة تمكنها من تحديد أهدافها بدقة متناهية. وما يعزز هذه القدرات هو الإرادة السياسية الصلبة التي يبديها الرئيس ترامب، الذي أثبت في ولايته السابقة أنه لا يتردد في استخدام القوة العسكرية عندما يتعلق الأمر بالمصالح الأمريكية الحيوية، وهو ما تجلى في تصريحاته الأخيرة التي هدد فيها بـ"الإبادة الكاملة" للحوثيين إذا لم يتوقفوا عن هجماتهم على السفن في البحر الأحمر.
بموجب الضربات الأمريكية الأخيرة، بدأت تظهر بوادر تآكل في قدرات الحوثيين العسكرية، حيث استهدفت الضربات الأمريكية مخازن الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، فضلاً عن مراكز القيادة والسيطرة، وهو ما أدى إلى إضعاف قدرة الحوثيين على شن هجمات جديدة، على الأقل في المدى القصير. ومما يعزز فرص نجاح الاستراتيجية الأمريكية أن الضربات الجوية المكثفة تترافق مع حصار بحري محكم يهدف إلى منع وصول الإمدادات العسكرية الإيرانية إلى الحوثيين، وهو ما سيؤدي حتماً إلى استنزاف قدراتهم العسكرية مع مرور الوقت.
ثمة عوامل أخرى تعزز فرص نجاح الضربات الأمريكية ضد الحوثيين، منها أن الجماعة تعاني أصلاً من ضعف في بنيتها القيادية، التي تتسم بالعقلية المتحجرة والبدائية، والتي تعتمد بشكل كبير على منتج القات المخدر، مما يؤثر سلباً على قدراتها في اتخاذ القرارات الاستراتيجية السليمة. هذه العقلية البدائية المحدودة بجلسات القات المتخلفة لا يمكن أن تكون قادرة على التعامل مع التقنية الحديثة بمفردها، ولا على مواجهة آلة عسكرية متطورة كالآلة الأمريكية، وهو ما يجعلها عرضة للانهيار السريع تحت وطأة الضربات المركزة والمتواصلة.
عامل آخر مهم للغاية في هذه المعادلة هو أن الحوثيين يعتمدون بشكل شبه كلي على الدعم الإيراني، سواء في التسليح أو التدريب أو التمويل، وهذا الدعم نفسه أصبح مهدداً بشكل مباشر بعد تهديدات ترامب الصريحة لإيران. فقد حذر الرئيس الأمريكي إيران بشكل مباشر من "عواقب وخيمة" إذا استمر الحوثيون في مهاجمة الملاحة الدولية، معلناً أنه سيحمّل طهران المسؤولية المباشرة عن أي هجمات ينفذها الحوثيون، وأن أي هجمات إضافية ستعتبر هجوماً من إيران نفسها. هذا التهديد المباشر من شأنه أن يجعل إيران تفكر ملياً قبل مواصلة دعمها للحوثيين، خاصة وأن طهران تدرك تماماً أنها لا تستطيع الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة.
ومن الجدير بالذكر أن استهداف السفن الإيرانية التي تقوم بعمليات التجسس قرب السواحل اليمنية سيعيد ويثبت صدق ترامب في تهديداته لإيران، وسيرسل رسالة واضحة بأن الإدارة الأمريكية جادة في تعاملها مع الدور الإيراني في دعم الحوثيين. وفي هذا السياق، سيكون من الصعب على إيران الرد على مثل هذه الضربات إلا إذا أرادت تحمل ضربات أمريكية أشد قوة تستهدف بنيتها التحتية وقياداتها العسكرية، وهو أمر مستبعد نظراً للمخاطرة الكبيرة التي يدركها ملالي إيران من الدخول في مواجهة خاسرة مقدماً مع أقوى قوة عسكرية عالمية متواجدة في المنطقة. هذا الواقع الاستراتيجي يمنح الولايات المتحدة هامشاً أكبر للمناورة في تعاملها مع الدعم الإيراني للحوثيين، ويشكل نقطة ضغط فعالة لإجبار إيران على إعادة حساباتها في اليمن والمنطقة ككل.
ومن الجدير بالإشارة إلى أن حرب غزة تقدم مثالاً مصغراً لما يمكن أن تكون عليه الاستراتيجية العسكرية الفعالة ضد الحوثيين، حيث أثبتت تلك الحرب نجاعة الحل العسكري التدميري والمميت في تحقيق أهداف استراتيجية محددة. فتسوية مناطق سيطرة الحوثيين بالأرض واستهداف قياداتهم بشكل منهجي ومركز، على غرار ما حدث في غزة، سيؤدي حتماً إلى إضعاف قدراتهم العسكرية بشكل جذري، ويحرمهم من القدرة على تهديد الملاحة الدولية. وقد أظهرت التجربة في غزة أن الوصول إلى مركز قوي في المجهود العسكري يتطلب استراتيجية شاملة تجمع بين العمليات الجوية والاستخباراتية، مع التركيز على تدمير البنية التحتية العسكرية والقيادية للعدو، وبتطبيق هذا النموذج على الحالة اليمنية، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها تحقيق نتائج حاسمة في مواجهة الحوثيين، خاصة وأن الإرادة السياسية متوفرة لدى إدارة ترامب لتنفيذ مثل هذه الاستراتيجية الشاملة.
في المجمل، يمكن القول بأن استراتيجية ترامب العسكرية تجاه الحوثيين تعكس رؤية واقعية للتعامل مع التهديدات الإقليمية، وتستند إلى قدرات عسكرية هائلة وإرادة سياسية صلبة، وهو ما يعني أن فرصة نجاح هذه الاستراتيجية في تحقيق أهدافها المعلنة تبدو عالية للغاية. ومما يعزز هذا التقدير أن الحوثيين، رغم محاولاتهم إظهار القوة والصمود، يدركون في قرارة أنفسهم أنهم لا يستطيعون الصمود طويلاً أمام آلة عسكرية متطورة كالآلة الأمريكية، خاصة إذا ما تراجع الدعم الإيراني لهم تحت وطأة التهديدات الأمريكية.