: آخر تحديث

شمس العرب تسطع على الغرب ولا تسطع على جبل الشيخ

5
5
4

كذب الملح على الجرح يا صاحبي... أرأيتَ من يكذّب التاريخ فذلك مَن يصدّق الشعر، ترى أتستطيع أن تكذّب زيغريد هونكه التي قالت (شمس العرب تسطع على الغرب)، لكنك بالله وتالله والله لا تصدق أحمد شوقي الذي قال: (كـلَّـمـا أَنَّ بالـعـراق جـريـحٌ.. لمسَ الشرقُ جنْبَهُ في عمانِهْ)، ألا ترى أنَّ شمس العرب لا تسطع على جبل الشيخ لكي لا تذيب ثلجه الذي يتزلج عليه بنيامين نتنياهو على عينك يا شمس، والشام تئن بشرًا وشجرًا وحجرًا ولا يد للشرق حتى يلمس جنبه.

كذب الملح على الجرح يا صاحبي... فلم نعد ندري إن لم يعد للجراح فمٌ يصيح ملء المدى أم ليس لنا مدى لتصيح جراح الشام... ولك أن تتخير في امتحان العرب المؤتمت بالخرس أصارت الجراح خرساء أم المدى أخرس... ما الذي يجديه أن نقرأ بزهو الطواويس مقولة هونكه ونرى نتنياهو يستمتع بحمام شمس على لحية جبل الشيخ ويرى العرب تضع الشمس خلفها وتسير إلى فجر كاذب. فيضحك من عين شمس نخوة العرب، وحبر تاريخهم المائي، فما عاد منهم مَن يسقي أخاه النميري، إنما الشاطر فيهم يبيع أقراط الخنساء في منتدى لاغوس.

لم يهب نتنياهو للعرب قيد أنملة في الزمن نملؤها بصراخ اغتصابنا حجرًا وبشرًا معابد ومسارح... يغتصب عقولنا في رؤوسنا في ظل حكمة سياسة العرب وهم يرددون لمن تقرع العصا.

لم يرحل غلام علي خامنئي ونادل فلاديمير بوتين عن سورية إلا بعد أن خلّفها خاوية على عروشها... أفرغ ترسانتها الحربية التي استنزف بناؤها الاقتصاد السوري لستين عامًا على مواطنيه وهم يهتفون بالدم بالروح نفديك.

وقبل أن تلوح ومضة الفرح على وجوه السوريين بفرار بطل الإبادة الوطنية، استأسد نتنياهو فدمر ما بقي من مقدرات الدفاعات السورية. ثمة توأمة تخريب استراتيجي مشتركة بين النتن ولاحم سورية، كلاهما أبدع في تحويلها إلى خردة.

أرأيت في كل تاريخ الخيانة حاكمًا يتآخى مع عدو بلده ليحولها إلى خردة، ويحول أحلام مواطنيه وأفكارهم إلى خردة .. ألا تسمع يا صاحبي ربع الشعب السوري يتجول في الشوارع مناديًا: خبز يابس للبيع... شعب يائس للبيع.

إقرأ أيضاً: سورية بين الدولة المحرمة وسلطة التنويم المغناطيسي للتغيير

لكم ترك العرب السوريين يعيشون في ظل القيادة اللئيمة للأسدين المخنسين نسخة تجريبية من جهنم على أرض الشام المحشر. وهم أدرى بأن السوريين كانوا بصدورهم العارية مصدّات لنيران الفرس، كانوا عثرة بشرية في طريق جحافل الفرس إلى مقدسات العرب ومواطنهم ما بين ملح الماءين.

والعرب كفاهم شرّ القتال انشغال ساستهم بتوزيع الهمبرغر على مشردي أوروبا وأرامل أميركا. أما مثقفو العرب فهم بالبحث عن بذور العلمانية في شعر أبي نواس، ولادة بنت المستكفي في ريادة ما بعد الحداثة. أما شيوخهم فأيديهم مشغولة ليل نهار بملاعق الرز بحليب، فلا وقت لديهم لحك رؤوسهم، فكيف يمشطون رأس استراتيجية الأمن العربي الأصلع. إضافة إلى عملهم الوظيفي بتأصيل فقه مقاصد الحكم، وكثر طلاقهم لأخوة العربية.

نخب العرب على كافة أصناف طينتهم سواء أكانوا عجينًا بفريز أم بدبس رمان، يعيشون لحظات إلهامهم التاريخية بتجريب متعة الخطيئة في ظل توحّد ضمائرهم، ونعمة نسيان الحكمة ضالة المؤمن، ضالين مضللين، فأنساهم ضلالهم قول ثيودور درايزر: (الضمير لا يحول دون ارتكاب الخطيئة، ولكنه يمنعك من التمتع بها).

أمَّا رجال الثورة السورية على ما يعلو رؤوسهم من تيجان الشرف، فإن نشوة أسكرتهم عما يحيك لهم نتنياهو في ليل بهيم. فهو يقر أنه أسهم بإطاحة الأسد المأجور بالنيران الصديقة عن غير قصد. فبينما يكون أهم المهم في عملهم التمكين لدولة المنتصرين، غاب عنهم ما وراء تكالب نتنياهو المسعور على التدمير الشامل لبقية مقدرات وطنهم الدفاعية.

ولم يعوا حتى اللحظة أن عليهم أن يسابقوا الريح لبناء دولة تتظلل بقوات دفاع تحميها، من جهة ومن أخرى أن تسارع ببناء مؤسسات دولة حديثة.

إقرأ أيضاً: متى يصوّب الكاوبوي رصاصه على أحلامه الهرمة؟

كان عليهم أن يجزموا الاعتقاد بأن أحلامهم مهما كانت ذهبية أو على حقّ. لا تتحقق بالانعزال عن حركية السياسة الدولية المضادة لثورتهم في زاوية ما. وفي هذا السياق يكون رأي ديورانت ملحًا غير فاسد على جراحهم (في شبابي كنت أهتم كثيرًا بالحرية، وكنت أقول إنني مستعد أن أموت من أجل حريتي، ولكنني في كهولتي أصبحت أهتم بالنظام قبل الحرية، فقد توصلت إلى اكتشاف عظيم يثبت أن الحرية نتاج النظام). وحرية الثورة التي ضحي من أجلها ما لا يضحى تتحصن بنظام جيد من مكتسباتها.

احتلال نتنياهو للأراضي السورية ليس هدفه استدراج الدولة الناشئة على وهن إلى حروب تشاغلهم، بل تهدف إلى إجهاضها قيصريًا.

الاحتلال خطوة الألف ميل اتجاه فرط عقد سبحة المكونات السورية، وإغوائهم بالانفصال والتشتت في كنتونات تحميهم من العدالة الانتقامية التي يعتقدونها. وهذا ما يجعل مجابهة هذا الخطر الأخطر على سورية حتمية لا تحتمل التمهل. ولا وقت للرومانسية الدينية بتاريخية حفظ الشام.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.