في 17 آذار (مارس) 2025، أدلى مسعود بزشكيان، رئيس النظام الإيراني، بتصريحات خلال مقابلة مع قناة "خبر" الحكومية، بدت في ظاهرها دعوة إلى الحوار والوحدة. لكن هذه التصريحات، رغم لغتها التصالحية، كشفت في جوهرها عن أزمة عميقة تهز أركان الحكم في إيران. ففي ظل الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة، لا تعكس كلماته قوة أو نية للإصلاح، بل تعكس هشاشة النظام واتساع الشروخ في بنيته، مما يعزز التوقعات بقرب انهياره.
تصاعد الفوضى الداخلية
أعرب بزشكيان عن استيائه من غياب ثقافة الحوار وانتشار النقد غير البناء والميل إلى الصدامات بدلاً من النقاش الهادئ، قائلاً: "لم نتعلم بعد كيف نجلس معًا ونستمع لبعضنا... ننتقد بعضنا البعض ونكيل الشتائم لبعضنا". قد تبدو هذه الكلمات انتقادًا عامًا للوضع الاجتماعي، لكنها في الحقيقة انعكاس لحالة التمزق داخل النظام نفسه. في المراحل الأخيرة من الأنظمة الاستبدادية، غالبًا ما يتلاشى التماسك الأيديولوجي، وتحلّ الصراعات الداخلية محل وحدة الصف، حيث لا يعود الهدف الحفاظ على النظام، بل تسابق الأجنحة المختلفة على تقويض بعضها البعض. لذلك، لا يمكن اعتبار تصريحاته مجرد دعوة للوحدة، بل هي اعتراف ضمني بأن الانسجام بين النخب الحاكمة قد تلاشى.
محاولات بائسة لاستعادة الشرعية
وأضاف بزشكيان: "إذا كان شيء صحيحًا، علينا قبوله؛ وإذا كان خاطئًا، علينا رفضه، لكن لا يجب أن نحول الخلاف إلى عداوة". لكن هذه المحاولة لرسم صورة لنظام عقلاني ومتزن تبدو بلا قيمة في ظل سجل النظام الطويل من القمع والعنف السياسي. فالأنظمة المتآكلة تلجأ في مراحلها الأخيرة إلى التظاهر بالديمقراطية والانفتاح، لكنها لا تنجح في خداع شعبها الذي يعاني من الاستبداد لسنوات طويلة. الإيرانيون لم يعودوا يصدقون هذه الشعارات الفارغة، وتصريحات بزشكيان لا تكشف فقط عن عجز النظام عن كسب ثقة شعبه، بل تفضح أيضًا انهيار التضامن بين أركانه.
اعتراف علني بالعجز عن تحقيق العدالة
أحد أكثر تصريحاته وضوحًا كان قوله: "كل هدف هذه النقاشات هو تطبيق العدالة في بلادنا، لكننا متأخرون في ذلك". هذا الاعتراف الصريح يكشف فشل النظام في تحقيق أحد وعوده الأساسية: العدالة. في أي حكومة تستند إلى ادعاءات تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، يكون الاعتراف بالتقصير في هذا المجال دليلاً على أزمة عميقة. مثل هذه التصريحات في الأنظمة الاستبدادية عادةً ما تكون مؤشرًا على اقتراب النهاية، حيث يصبح التستر على الفشل مستحيلاً، والاعتراف به يعجل بالسقوط.
تفشي الفساد والانهيار الأخلاقي
وفي ختام حديثه، انتقد بزشكيان بعض مسؤولي النظام، قائلاً بسخرية إنهم لا يختلفون كثيرًا عن بعضهم البعض، وعليهم التوقف عن التظاهر. رغم الطابع الخفيف لهذا الانتقاد، إلا أنه يعكس حقيقة أكثر خطورة: انهيار الثقة والتماسك داخل النظام، وانتشار الفساد على جميع المستويات. هذه الانقسامات، التي لم يعد بالإمكان إخفاؤها، تُعد من أبرز العلامات على انهيار الأنظمة الاستبدادية. فحينما يفقد النظام ثقته بنفسه، تصبح قدرته على التعامل مع الأزمات شبه معدومة.
نظام يترنح على حافة الهاوية
لا يمكن اعتبار تصريحات بزشكيان مجرد زلات لسان، بل هي مؤشرات على احتضار نظام غير قادر على احتواء أزماته. التاريخ يُظهر أن الأنظمة الاستبدادية عندما تصل إلى مراحلها الأخيرة تمر بنمط متكرر: انهيار التماسك الداخلي، تآكل الشرعية، وضوح العجز، واستبدال الحلول الحقيقية بالمناورات الشكلية. النظام الإيراني ليس استثناءً من هذه القاعدة. فرئيسه، بدلاً من أن يعكس قوة النظام أو استعداده للإصلاح، أكد ما أصبح واضحًا للجميع: هذا النظام ينهار، ومسألة سقوطه أصبحت مجرد وقت.
وإذا أخذنا في الاعتبار وجود معارضة منظمة ومقاومة فعالة، تتجسد في وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق، والتي تشكل المظلة السياسية لها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، نجد أن هذا المسار يتسارع بشكل كبير. ومع استمرار هذا الزخم، يقترب اليوم الذي تُستبدل فيه هذه الدكتاتورية القمعية بنظام ديمقراطي تعددي يحقق الحرية والعدالة للشعب الإيراني.
﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾