تواجه إسرائيل في هذه المرحلة معضلة تتطلب منها الاختيار بين ثلاثة خيارات رئيسية فيما يتعلق بقطاع غزة:
الخيار الأول: وقف إطلاق النار والانسحاب من غزة
يتضمن هذا الخيار وقف إطلاق النار إلى أجل غير مسمى، وخروج القوات الإسرائيلية من القطاع مقابل إعادة جميع المختطفين، سواء كانوا أحياء أو موتى، مع منح حماس ضمانات دولية بعدم شن الحرب عليها مجددًا.
المشكلة في هذا الخيار تكمن في تناقضه مع مفهوم "النصر المطلق" الذي وضعه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كهدف رئيسي للحرب، والذي تعهد مرارًا بعدم التخلي عنه. فإذا وافق على هذا الخيار، فمن المحتمل أن يفقد الأغلبية في الكنيست بانسحاب أحزاب اليمين المتطرف من الحكومة، مما قد يؤدي إلى سقوطها وإجراء انتخابات جديدة، حيث تُظهر استطلاعات الرأي أن ائتلافه سيخسر فيها أمام أحزاب المعارضة.
علاوة على ذلك، سيؤدي تبني هذا الخيار إلى بقاء حماس كقوة عسكرية مسيطرة على القطاع، حتى لو تم تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية. وسيكون الوضع في غزة شبيهًا بما حدث في لبنان قبل الحرب الأخيرة، حيث كانت منظمة حزب الله تسيطر فعليًا على صنع القرار. وبالنظر إلى أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، فإنَّ إسرائيل لا يمكن لها أن تقبل بهذا الوضع. لذلك، يمكن لهذا الخيار أن يتحقق فقط إذا تولت قوة فلسطينية – عربية مدعومة دوليًا السيطرة على القطاع، مع إبعاد قادة حماس ونزع سلاحها، وهو ما ترفضه حماس بشدة.
الخيار الثاني: استئناف الحرب والسيطرة الكاملة على القطاع
يتمثل هذا الخيار في استئناف الحرب على حماس والاستيلاء الكامل على غزة، مع تولي إسرائيل الحكم المؤقت فيها، والقضاء على قيادات حماس وبقاياها.
أصبح هذا السيناريو أكثر ترجيحًا في الأوساط السياسية الإسرائيلية، خاصة بعد عودة دونالد ترامب إلى السلطة في أميركا وتهديداته الصارمة لحماس، بالإضافة إلى طرحه خطة لترحيل سكان القطاع. ترى بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل أن هذه فرصة ذهبية للسيطرة على غزة.
لكن هذا الخيار يحمل في طياته العديد من التحديات، أبرزها:
- التبعات على المختطفين: إذا تم تنفيذه، فسيؤدي على الأرجح إلى فقدان المختطفين أهميتهم كورقة مساومة بيد حماس، وبالتالي إلى قتلهم على الأرجح، مما قد يثير احتجاجات واسعة داخل إسرائيل قد تؤدي إلى سقوط الحكومة.
- الخسائر البشرية والاقتصادية: سيكون هناك ثمن باهظ يتمثل في سقوط جنود إسرائيليين، إضافة إلى العبء الاقتصادي على قوات الاحتياط وتباطؤ الاقتصاد الإسرائيلي. كما قد تتعرض المدن الإسرائيلية لهجمات صاروخية من الحوثيين في اليمن.
- التأثير الدبلوماسي: قد يؤدي هذا الخيار إلى تدهور العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية المعتدلة.
- إدارة غزة: ستضطر إسرائيل إلى الاعتناء مباشرة بسكان القطاع، مما سيشكل عبئًا اقتصاديًا إضافيًا، خصوصًا أن الدول المانحة العربية والغربية لن توافق على تمويل إعادة إعمار القطاع طالما أنه تحت السيطرة الإسرائيلية.
لذلك، يجب على صناع القرار في إسرائيل أن يأخذوا كل هذه العوامل بعين الاعتبار قبل اتخاذ القرار باستئناف الحرب.
الخيار الثالث: تمديد وقف إطلاق النار
يتمثل هذا الخيار في تمديد الهدنة لبضعة أشهر إضافية مقابل الإفراج عن عدد آخر من المختطفين وإدخال المساعدات إلى القطاع. ومع ذلك، فإنَّ هذا الحل مجرد تأجيل لاتخاذ القرار النهائي بين الخيارين الأول والثاني.
أي الخيارات هو الأفضل؟
باعتقادي، فإنَّ الخيار الأول هو الأفضل لإسرائيل في هذه المرحلة، حيث ستواجه حماس صعوبات كبيرة في إدارة القطاع بعد الحرب، خاصَّة مع غياب الموارد المالية وإعادة الإعمار. يمكن لإسرائيل، بعد إعادة جميع المختطفين، الموافقة على الخطة المصرية – العربية لإدارة القطاع، بشرط جعله منطقة منزوعة السلاح، ونقل المسؤولية عنه إلى جهات عربية ودولية، دون أي ارتباط مباشر مع إسرائيل، حتى في مسألة تزويده بالكهرباء والمياه.
وفي النهاية، من الصعب التنبؤ بما ستختاره الحكومة الإسرائيلية من بين هذه الخيارات، وكما يقال: "فإن غدًا لناظره قريب".