: آخر تحديث
بين تحديات التكنولوجيا والقيود الأكاديمية:

الاغتراب التعليمي في القرن الحادي والعشرين

2
2
1

نعيش في عصرٍ أصبح فيه التعلم متاحًا عبر ضغطة زر، حيث بات الطلاب أكثر اغترابًا عن المعرفة مما كانوا عليه في أي وقت مضى. ويظهر "الاغتراب التعليمي Didaskalogenic Alienation" في القرن الحادي والعشرين كمحصلة مباشرة لصراع غير متكافئ بين التطور التكنولوجي المتسارع والقيود الأكاديمية التقليدية؛ مما يجعل العملية التعليمية في كثير من الأحيان تجربة مفصولة عن الواقع الفعلي الذي يعيش فيه المتعلمون.

لقد خلقت التكنولوجيا إمكانيات لا نهائية للتعلم التفاعلي والانفتاح المعرفي، إلا أن معظم النظم التعليمية لم تستطع استيعاب هذا التحول، وظلت متجذرة في مناهج مبنية على التحفيظ، والتقويم الصارم، والانضباط البيروقراطي؛ مما أدى إلى فقدان الطلاب لشعورهم بالانتماء إلى بيئاتهم الدراسية. فبدلاً من أن يكون التعليم رحلةً معرفية مشوقة، أصبح نظامًا مغلقًا لا يراعي الديناميكيات المعرفية الجديدة التي يواجهها المتعلم في حياته اليومية.

إقرأ أيضاً: عبقرية الملك عبدالعزيز في بناء الولاء الوطني

إنَّ قياس الأداء الأكاديمي لا يزال يُختزل في الامتحانات والدرجات، في حين أن المعرفة أصبحت أكثر ديناميكية، وأقل ارتباطًا بمصادرها الرسمية. ومع ذلك، لا تزال الأنظمة التعليمية تصر على تجاهل حقيقة أن الطلاب اليوم يكتسبون مهاراتهم الأساسية من مصادر خارج جدران الفصول الدراسية، مثل التعلم الذاتي عبر الإنترنت، والمشاريع التفاعلية، والتجارب الرقمية...؛ مما يُسهم في تعزيز الهوة بين التعليم الرسمي والتعليم الفعلي للحياة.

ومن ناحية أخرى، فإن التكنولوجيا بحد ذاتها ليست الحل السحري، فقد أدت أيضًا إلى تشتيت انتباه المتعلمين، وإضعاف قدرتهم على التركيز العميق، وهذا ما خلق نوعًا جديدًا من الاغتراب القائم على الإفراط في المعلومات وقلة فاعلية التعلم. وهكذا، يجد الطالب نفسه محاصرًا بين مناهج جامدة لا تمنحه حرية الإبداع، وتقنيات متسارعة تفرض عليه استهلاكًا معرفيًا بلا عمق؛ مما يؤدي إلى شعور عام باللاجدوى تجاه النظام التعليمي بأكمله.

لم يعد من الممكن أن يستمر التعليم في القرن الحادي والعشرين بمنطق "المعلم يلقن، والطالب يحفظ"، ولا بمنظومة تقويمية تَعُدّ الامتحانات الورقية مقياسًا وحيدًا للكفاءة. إن معالجة الاغتراب التعليمي تتطلب إعادة هندسة المناهج الدراسية؛ بحيث تستوعب التعلم التشاركي، والتجربة العملية، والتفكير النقدي، وتحويل التكنولوجيا من مصدر إلهاء إلى أداة تعليمية تدمج المحتوى الأكاديمي مع المهارات الحياتية الفعلية.

إقرأ أيضاً: كيف جمد الإخوان المسلمون الزمن؟

إذا لم يحدث تحول جوهري في بنية التعليم، فإن الفجوة بين ما يُدرّس في الفصول الدراسية وما يحتاجه الواقع ستزداد اتساعًا، مما سيجعل المؤسسات التعليمية تفقد دورها المحوري كحاضنة للمعرفة، وسيواصل الطلاب البحث عن التعليم الحقيقي في أماكن أخرى؛ تاركين النظام التقليدي خلفهم. وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه التعليم اليوم: كيف يعيد بناء نفسه ليكون جزءًا من حياة المتعلم، لا مجرد محطة عابرة في رحلته نحو المجهول؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.