: آخر تحديث

أمي... وجه العالم قبيح

3
3
2

 

ذات مساء، وسط فرحة الأبناء، برحلة الصيف بعد موسم من العناء، وحنان الأمومة الذي يحيطهم وينتصر لهم من قسوتي الأبوية الرعناء، غرقت منفرداً في نوبة بكاء، فجرتها صفحات من كتاب العمر، قلبتها فوجدتها جوفاء، إلا من ذكرى رحيل المرأة الحديدية، ذات القلب الكبير والشخصية الفياضة، الثرية، راجحة العقل والصدر الوسيع، وبعد نظر يجعل عالمنا فسيحاً.

تلك هي أمي، الوجه المشرق في سماء حياتي، التي غدت خاوية، برحيل الملهمة الحانية.

سكنت برهة ولكن دموعي نهرتني، وانهمرت حزناً ورثاءً. استحضرت الماضي، وعجزت أن أجد شيئاً بعد رحيلها جميلاً يستحق البقاء، بعد فقدان أمي، وجدت عالمي مشبعاً بالشقاء.

حواسي اُستفزت، وانهارت من شدة العناء بحثاً بعد فراقها، عن وجه جميل وشريان، يمدني بدماء الحياة، فحضر وجه أمي وروحها الطاهرة، وأجمل ما منحني رب السماء.

أصبح عالمي في غيابها غربة وشقاء؛ أمي لم تكن مدرسة، بل كانت للتعليم وزارة، وفي التربية كلية، اقتصاداً وتجارة، وشؤوناً اجتماعية، وحكومة مصغرة وللصحة مديرية.

بعد رحيل والدي ضحَّت أمي لنعيش، استقبلت الألم لتمنحنا الفرح، كانت هيئة ترفيه، ومشفى، بحنانها نطيب، ولمستها الحانية دواء.

أمي صندوق سيادي عزيزة النفس، شحيحة الموارد، لا تقبل المنح بكبرياء؛ تصدَّت لقسوة الزمن وقلة الحيلة وتطفل الأقرباء... رحيمة القلب، تتصنع الشراسة إذا اقترب من أطفالها دخلاء.

أمي الحنون تتحول إلى أقسى من الحجر أمام رغباتها المشروعة، لتلبي رغباتنا المجنونة، كانت للمسكن نوراً عندما تعاقبنا الكهرباء.

كانت هيئة أرصاد تحتاط أمام تقلبات الطقس، لتحمينا من لهيب الحر وبرد الشتاء.

رحلت بصمت كي نعيش؛

هل اقتنعتم أنَّ أمي أطهر خلق هذا العصر البجيح؟

وبرحيلها... كيف أصبح وجه العالم قبيحاً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.