: آخر تحديث

جدل الصاروخ الإيراني الفرط صوتي

17
20
12
مواضيع ذات صلة

قد لا يكون لنا في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط ناقة ولا جمل في الجدل الدائر حول حقيقة الإعلان الإيراني عن تطوير صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت وقادر على إختراق كافة الأنظمة الدفاعية لسبب بسيط هو أن الجار الإيراني يمتلك فعلياً ما يمكن أن يهدد به الإستقرار الإقليمي من قبل أن يعلن تطوير هذه النوعية المتطورة من الصواريخ. وقد جاء الإعلان الإيراني الذي أثار قلق الدوائر الغربية، في خضم قلق قائم بالفعل من دور المسّيرات الإيرانية في حرب أوكرانيا، ليضيف المزيد من التعقيد على حسابات الغرب تجاه الملف الإيراني.


أمير علي حاجي قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني قال إن سرعة الصاروخ الجديد تتجاوز خمسة أضعاف سرعة الصواريخ الباليستية التقليدية، معرباً عن اعتقاده بأن الأمر سيستغرق عقوداً لتطوير أنظمة دفاعية قادرة على اعتراض هذا الصاروخ، الذي يمثل "قفزة عظيمة للأمام" على صعيد الترسانة الصاروخية الإيرانية كما قال حاجي.


بعض الخبراء العسكريين الغربيين يقولون إن "الإيرانيين يبالغون أحياناً في تقدير قوتهم العسكرية"، وهذا أمر قد ينطوي على قدر من الصحة أو هو صحيح بالكامل، ولكن التجربة علمتنا التعامل بحذر، ومن دون تهويل أو تهوين، مع ما يعلنه الجانب الإيراني وموضوع المسّيرات الإيرانية ليس ببعيد، حيث ظلت الشكوك الغربية تحاصر هذا الملف رغم مشاركة هذه المسّيرات بالفعل في قصف المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، حتى فوجىء العالم بأن هذه الطائرات تلعب دوراً مؤثراً في حرب أوكرانيا وتستعين بها روسيا، الدولة الرائدة في صناعة الأسلحة، بغض النظر عن دوافع هذه الإستعانة سواء كانت إقتصادية أو تصنيعية أو أسباب أخرى، فالواقع هو أن هناك طائرات إيرانية تقاتل بعلم روسيا في حرب تمثل تداعياتها أزمة للعالم بأكمله.


اللافت أن الإعلان الإيراني عن تطوير صاروخ فرط صوتي قد جاء مباشرة عقب إعتراف طهران بمشاركة مسّيراتها في حرب أوكرانيا، وهذا يعني أن هناك رسالة يريد الإيرانيون إرسالها لمن يهمه الأمر، وهو في حالتنا هذه أطراف عدة إقليمية ودولية، وبعض أهداف هذه الرسالة يتعلق بمحاولة ردع أطراف إقليمية عن التفكير في استهداف إيران عسكرياً، وبعضها الآخر يتعلق بتعظيم الضغوط على الدول الغربية التي تزعم طهران أنها تقف وراء تشجيع الإحتجاجات الداخلية ضد النظام الإيراني.


الواقع أن إيران باتت تلعب لعبة بالغة الخطورة حيث باتت تتداخل عن عمد بشكل قوي في أزمة أوكرانيا، حيث يشير تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية يوم 16 أكتوبر إلى أن إيران تستعد لإرسال صواريخ إلى روسيا، وهو ما نفته طهران، ولكن التجربة علمتنا كذلك أن النفي الإيراني لا يسمن ولا يغني من جوع وأن تكرار مسألة المسّيرات هو مسألة مغرية لإيران قبل روسيا، حيث تريد طهران بالتأكيد إغراق روسيا بدعم تحتاجه أو لا تحتاجه ـ لا فرق ـ بما يوفر للإيرانيين حق ضمني في الحصول على دعم روسي مقابل في ملفات أخرى (ذكر تقرير نشتره شبكة سي إن إن مؤخراً أن إيران طلبت من روسيا مساعدتها في تطوير برنامجها النووي)، أو على الأقل تحييد موقف روسيا في أي أزمات محتملة قد تفتعلها إيران على الصعيد الإقليمي، ناهيك عن توفير فرصة نادرة لاختبار الأسلحة الإيرانية في ساحات قتال حقيقية والتعرف على قدراتها العملياتية ومن ثم العمل على تطويرها ومعالجة أي ثغرات في أدائها وفاعليتها القتالية.


أكثر ما يهمني في ذلك كله سواء كان الإعلان عن تطوير صاروخ فرط صوتي حقيقة أم مجرد نسخة بدائية من هذا الطراز هو التفكير الإيراني بحد ذاته، حيث لا تكتفي إيران بكل ما راكمته من عتاد وأسلحة ومدن صاروخية تحت الأرض وترسانات من المسّيرات وبرنامج نووي لا يعلم أحد مداه ولا أين انتهى، وهو ما يعني أننا أمام نسخة مكررة من كوريا الشمالية في منطقة الشرق الأوسط. هذا المستوى من التهديد المتصاعد يعود بالأساس إلى الخطأ الإستراتيجي الأميركي الكارثي في تجاهل البرنامج الصاروخي الإيراني مع بدء مفاوضات إحياء الإتفاق النووي الإيراني، في استمرار لنهج أو بالأحرى خطأ إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والذي توج بتوقيع هذا الإتفاق عام 2015.


تجاهل البرنامج الصاروخي الإيراني كان بسبب عدم تقدير خطورة هذا البرنامج الذي اعتبرت الدول الغربية أنه لا يمثل تهديداً حقيقياً لأمنها، وكان تقدير إدارة أوباما أن إيران لن تستطيع بناء صواريخ باليستية عابرة للقارات في وقت قريب، وأن التهديد الإيراني الأساسي يأتي من البرنامج النووي، ما وفر لإيران فرصة ثمينة للمضي في تجاربها الصاروخية حتى وصلت مؤخراً إلى الإعلان عن تطوير صاروخ فرط صوتي، لتحقق إيران بذلك اختراقات نوعية في تنفيذ إستراتيجية نقل المعركة خارج حدودها، سواء بالصواريخ أو عبر شبكة الميلشيات والأذرع الطائفية المنتشرة في ربوع المنطقة أو كلاهما معاً.

والمحصلة أن الجميع يدفع الان فاتورة سوء التقديرات والتهوين من الخطر الإيراني والتهاون في النظر لوجهات نظر الدول المجاورة لإيران وتقديراتها لعواقب الأمور، ناهيك عن الأخذ برأي هذه الدول ووجهات نظرها في التعامل مع هذا الملف الحيوي.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.