بعد أن ظهر الانترنيت أصبح العالم وكأنه قرية صغيرة إذ تمكن الناس من التواصل والتفاعل مع بعضهم البعض في اي وقت وفي أي مكان ودون سابق أي معرفة وهذا التواصل في اغلب احواله كان باسماء مستعارة وأسماء وهمية لغرض إخفاء الهوية وفي فترة سادت فيها الثقة بين المستخدمين لوسائل ومنصات التواصل بدأت الاسماء الحقيقية للمستخدمين بالظهور بل ان بعضهم اعتمد على ارقام الهواتف الخاصة به في التواصل مع متابعيه. ومع ان البعض يجد محاسن ومزايا لهذا التواصل الا أنه لا يخلو من المساؤي فان كان الانترنيت وسيلة قربت الاحبة والاصدقاء وسهلت عمل العلاقات باختلاف اشكالها إلا انه قرَّب اصحاب النفوس الضعيفة ممن يسعون إلى استغلال هفوات المستخدمين لمنصات التواصل فبدات ظاهرة خطرة على المستخدمين والمجتمع على حد السواء الا وهي ظاهرة الابتزاز الالكتروني الذي يبدأ باقامة علاقة صداقة مع الشخص المستهدف ثم الانتقال الى مرحلة التواصل عن طريق برامج المحادثات المرئية ليقوم بعد ذلك المبتز باستدراج الضحية وتسجيل المحادثة التي فيها محتوى مُسيء وفاضح.
إن الابتزاز الالكتروني يشبه في وصفه عملية سرقة البيوت وإجبار الضحايا على جلب الاموال الموجودة في المنزل تحت التهديد بالقتل فهو: عملية تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مقاطع فيديو أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية مقابل دفع مبالغ مالية أو إستغلال الضحية للقيام باعمال غير مشروعة لصالح الشخص المبتز كالافصاح بمعلومات سرية خاصة بشركة او جهة عمل وغيرها من الاعمال غير القانونية وهو بذلك يعد احد اكبر المخاطر التي تواجه مستخدمي شبكة الانترنيت والاجهزة الذكية ممن لا يمتلكون اي معرفة عن أمن المعلومات فالسبب الرئيسي لوقوع الضحايا في مصيدة الابتزاز هو قلة الوعي الأمني للضحايا فاغلبهم لا يعرفون شيئاً عن تقنية أمن المعلومات وكيفية تفادي الابتزاز في حالة التعرض له بالاضافة الى اسباب عدة منها تكوين علاقات مجهولة بالنسبة للفتيات فالبعض منهن تدخل في علاقة مع شخص ما فيشرع بالتقاط صور لها بعد إستدراجها او على حين غفلة اثناء التواصل معها ثم يبدأ مسلسل الابتزاز وذلك بطلب أشياء أخرى مقابل ألا يخبر أهلها بأنها تواصلت معه أو قابلته.
كذلك اختراق حسابات التواصل الاجتماعي بانواعها وبالتالي إمتلاك المبتز لعدد من المحادثات الخاصة.
ويحدث ان يتم ايصال الصور إلى شخص غير موثوق بقصد التعارف الالكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي الامر الذي قد يؤدي الى الابتزاز.
كما ان عدم التأكد من محو المعلومات والملفات قبل الشروع في بيع الأجهزة سواء اكانت اجهزة هواتف او اجهزة حاسوب وتبادل الصور المفرط بين الشابات مما يجعل الصور الخاصة في اكثر من جهاز وبالتالي احتمالية اكثر لوقوعها بيد المبتزيين الذين يفتقدون للوازع الديني والاخلاقي.
البطالة واوقات الفراغ بالنسبة للشباب وضعف الرقابة عليهم وعلى الشابات من قبل العائلة وقلة الوعي القانوني بعقوبة التهديد والابتزاز بالنسبة للشخص المبتز كلها اسباب تدفع الى ظاهرة الابتزاز الالكتروني الذي بات من الجرائم الحديثة نسبياً واخذ بالزيادة بعد انتشار منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير وخصوصاً بعد انتشار جائحة كورونا حيث اقبل الناس بصورة كبيرة على الانترنيت ومواقع التواصل بعوالمها الافتراضية ومما شجع على تزايد هذه الظاهرة ضعف العلاقة الأسرية بين الاهل والضحية المبتزة الكترونياً كون الشخص المبتز قد يكون على علم ودراية بان الضحية سوف تتجنب إبلاغ ذويها في حالة كونها أنثى خوفاً من التقريع وهو لوم عنيف وشديد يوجه إلى الشخص على فعله من أجل إصلاحه وردعه.
وقد يسوء الأمر بالنسبة للنساء اللاتي لا تستطيع اللجوء الى الاجهزة الامنية في حالة تعرضها للابتزاز وذلك خوفا من الاهل والخوف من العادات والتقاايد التي كانت ولا زالت تؤثر على المجتمع وعلى طبيعة علاقاته المختلفة الامر الذي يدفع البعض منهن الى الانتحار او تعرضهن للقتل من قبل ذويهم.
وعادةً يتم تصيّد ضحايا الأبتزاز عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك، الانستجرام، سكايب، الواتس آب، البريد الالكتروني، او اي وسيلة الكترونية اخرى يمكن من خلالها الوصول الى معلومات سرية او حساسة عن الضحية.
ان تصاعد حالات الابتزاز ينتج عنه جملة مشكلات وأزمات إجتماعية وأمنية وبالنهاية حدوث جرائم تصل للقتل والخطف والتشويه الجسدي والتفكك الاسري وارتفاع في معدلات الطلاق.
أما عن أشكال الابتزاز الألكتروني فهو متنوع:
*الابتزاز الالكتروني المادي: ويكون قائم على اختراق جهاز الضحية وجمع المعلومات التي تدين الضحية وتجعلها تنصاع لطلبات المبتز المادية مقابل الحصول على صورها ومعلوماتها والمحتوى الابتزازي الالكتروني فالمبتز يرسل يرسل الصور والادلة للضحية مع معلومات سكنه وعائلته في الغالب وللأسف اغلب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يكتبون هكذا معلومات على حساباتهم والتي يمكن اكتشافها من خلال الصفحات الشخصية لمستخدم التطبيقات الالكترونية وهنا يستدرج المبتز الضحية إلى ملعبه ويقوم باطلاعها على أن كل ما يخصها في حوزته مما يساعده في حصار الضحية داخل دائرة الخوف والترهيب وهذا يجعل الضحية على استعداد تام على دفع ما يريد واعطاء المبتز المبلغ الذي يريد مقابل حذف المعلومات والصور التي قد تودي بحياة الضحية الى الهاوية وتدمير حياته الاجتماعية.
*الابتزاز الجنسي الالكتروني: في هذا النوع من الابتزاز تصب كافة اهداف المبتز حول كيفية استفادته جنسيا من الضحية وهنا تتنوع الاساليب حسب مرحلة الاجرام او الاضطراب النفسي الذي يسيطر على المجرم الالكتروني مثل هذا الابتزاز يشكل كابوسا حقيقيا يلاحق افراد المجتمع الذين يضعون تحقيق طلبات المبتز في اولوياتهم دون التفكير بالعواقب والاثار التي تترتب على ذلك.
*الابتزاز المنفعي: هذا النوع مختص اكثر كونه منتشر بين اصحاب مناصب اتخاذ القرار والاعلاميين والشخصيات التي لها مكانة اجتماعية مرموقة هنا المبتز يهدف الى تحقيق مطالب تخص نفوذ الضحية ومجال عمله عن طريق ارسال المعلومات التي تخص حياته او هفواته الجنسية مما يجعل المسؤول يخضع للمجرم الالكتروني وينفذ كل مطاليبه كونه يقع تحت ضغط عنيف باعتباره مسؤول ومثل هذا الفعل سيؤدي به الى خسارة عمله ومكانته الاجتماعية وهذه تعتبر من اهم نقاط قوة المجرم الالكتروني كونه لا يبذل جهد في البحث عن دائرة الضحية الاجتماعية لان المسؤول دائرته واسعة وشاملة جدا.
ان هذه الانواع من الابتزاز هي الاكثر انتشارا والاشهر في الوطن العربي ومن الطبيعي ان يتعرض مستخدم الانترنيت لاحد انواع الابتزاز فهنا ينبغي ان يكون المستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي على علم وثقافة ومعرفة بالجرائم الالكترونية كون الحياة باتت تسيطر عليها الالكترونيات بنسبة ٩٠٪ فاصبحت الحياة الافتراضية هي الحقيقية بسبب كثر عدد الساعات التي يتم استخدام الانترنيت فيها.
ولتجنب ظاهرة الابتزاز الالكتروني والحد منها ينبغي الاخذ بعدة امور واعطائها اولوية واهمية في التعامل الا وهي:
*تجنب الوثوق بالاشخاص المجهولين عبر مواقع التواصل وتجنب ارسال الصور الشخصية.
*عدم دخول المواقع الاباحية او اي مواقع مشبوهة للتعارف والدردشة.
*عدم اعطاء الاجهزة الذكية للصيانة الا لوكيل معتمد او شخص موضع ثقة وعدم مشاركة البيانات والمعلومات الشخصية عبر مواقع التواصل.
*تجنب محادثة الفيديو مع الاشخاص المجهولين وضرورة التحقق من معلومات الاشخاص الذين توافق على اضافتهم في مواقع التواصل.
*تفعيل خاصية المصادقة الثنائية وتجنب الدخول الى الروابط الوهمية او تسجيل دخول في مواقع غير آمنة مع تجنب التعاطي مع الحسابات والمجموعات الخاصة الوهمية والمشبوهة.
الابتزاز الالكتروني جريمة حديثة على المجتمع العراقي حيث ان ثورة التكنولوجيا وتطور وسائل الاتصال كانت السبب في ظهورها وباتت تفتك بالمجتمع فاتسعت رقعة الابتزاز الالكتروني بصورة غير مسبوقة الامر الذي يضر ويهدد السلم والأمن الاجتماعي في بلد يعاني في الاساس من مشكلات عدة فقد كشفت السلطات القضائية العراقية عن تسجيل ما يقارب ٢٤٠٠حالة ابتزاز الكتروني خلال الاشهر الاولى من العام الحالي وكان النصيب الاكبر منها في بغداد هذا وكان قد سجل العراق خلال العام الماضي وفق احصائية كشفت عنها مديرية الشرطة المجتمعية بوزارة الداخلية عن ١٩٥٠حالة ابتزاز معظم ضحاياها من النساء بينهن فتيات في سن المراهقة واطفال دون سن الـ ١٤ في حين كشفت إحصائية لرابطة القاضيات العراقيات ان جرائم الابتزاز الالكتروني في العراق بلغت (٢٤٥٢) حالة للفترة من ٢٠٢٢/٢/١ الى ٢٠٢٢/٣/٣١ حيث ان هذه النسب جاءت ضمن إجابات رئاسات محاكم الاستئناف الاتحادية لعام ٢٠٢٢ وتوزعت في بغداد (٧٦) حالة وبغداد الرصافة (٤٨١) حالة ونينوى (١٤٦) حالة أما حسب ما سجلته وكشفت عنه إحصائية لمركز (وي أور سوشيال) العالمي فان عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العراق لعام ٢٠٢١ تجاوز الـ ٢٨مليون شخص بزيادة ٣ملايين و٣٥٠الف مستخدم عن العام الذي سبقه. ان الاحصائيات الاخيرة لعدد حالات الابتزاز المسجلة تكشف عن خطر حقيقي يهدد المجتمع العراقي الامر الذي يتطلب تكثيف الاجراءات وايجاد المعالجات من قبل الجهات المختصة من ضمنها جهاز مكافحة الاجرام والشرطة المجتمعية ووكالة الاستخبارات وبعض التشكيلات الساندة لمتابعة جرائم الابتزاز فضلا عن عقد ندوات تثقيفية للجامعات والمدارس والمؤسسات التابعة للدولة للتنبيه بخطر الابتزاز وكيفية التعامل السليم مع العالم السيبراني فالكثير من حالات الانتحار والطلاق وقضايا العنف تاتي كنتائج وتداعيات لحوادث الابتزاز الالكتروني كما اشارت المنظمات التي تنادي وتطالب بحقوق المرأة بان الاحصائيات المسجلة ورغم ارتفاع معدلاتها الا انها اقل بكثير من الارقام الحقيقية كون الكثير من ضحايا الابتزاز يفضلون التستر ومجاراة المبتز خشية الوقوع في محظور الاعراف الاجتماعية والعادات العشائرية الامر الذي ينذر بوقوع حالات القتل لكون الكثير منها يصنف بالعار والفضيحة.
وعليه فمن الضروري توعية المجتمع بخطورة الابتزاز الالكتروني وتوضيح اساليب حماية البيانات الشخصية للمستخدم مما يقلل من امكانية اختراقها ومن اجل توطيد وتوسيع نطاق الثقة بين السلطات الامنية والمواطنين عمدت وزارة الداخلية وجهاز الامن الوطني الذي يعتبر ملاذاً أمناً لفئة كثيرة من المواطنين الى تخصيص ارقام لاستقبال شكاوى الضحايا وضم عناصر نسائية لاقسام مكافحة الابتزاز وادخال المنتسب دورات تطويرية وتقنية لكسب خبرات اكبر في مواجهة جرائم الابتزاز والوصول الى الفاعلين.