لِنتمعّن في أحاديث السياسيين والذين يدّعون التحليل وبعض الأوساط الصحفية عن وجود قوى كبرى تسعى للتغيير في العراق وإحداث إنقلاب في نظامه السياسي، ونسأل ذلك السؤال الذي لم نجد من يُجيبنا عليه رغم كل المحن والمآسي التي هبطت على الشعب العراقي منذ عام 2003 ولغاية الآن على يد تلك القوى الكبرى التي كانت بقيادة أمريكية لإحداث ذلك التغيير المزعوم في العراق من نظام ديكتاتوري واحد إلى متعدد الديكتاتوريات، ومن حكم شمولي إلى إقطاعي أو طائفي ومحاصصي، ولماذا ذلك الإيحاء بأن التغيير يجب أن يأتي دائماً من الخارج؟ وهل هي لإيصال رسالة بأن الشعب العراقي وصل إلى مرحلة الإستسلام أو الخنوع فإرتضى بمن يحكمهم كائناً من يكون؟ فإن كان هذا صحيحاً فهذا يعني أنه أصبح بحكم القاصر الذي يحتاج إلى من يرعى مصالحه لحين بلوغه السن القانوني، لكن المشكلة هو متى يبلغ الشعب ذلك السن القانوني وهو الذي جرّب ما فعلته به تلك القوى من تدمير وتخريب وصلت إلى مكونات شخصية المواطن العراقي طيلة الأعوام السابقة؟ ولماذا يعجز شعب تأريخه أكثر من (6000) سنة في أخذ زمام المبادرة من الداخل دون الإستعانة بالقوى الخارجية؟.
إيحاء السياسيين بأن التغيير سيأتي من الخارج هو لقناعتهم أو الإعتراف المُبطّن بأن العراقيين وصلوا إلى مرحلة الهدوء والإستسلام للأمر الواقع، وربما إلى درجة (الداجن) الذين لا هم لهم سوى الأكل والنوم والإبتعاد عن فريضة التفكير وهو منطق كارثي بكل ما تحمله من معاني إن صَحّتْ هذه الكلمة لِشعب إعتاد الآخرون في التحكم بمصيره والتلاعب بمقدراته ومزاجه، ثم كيف سيكون حجم السوء أو المصيبة لذلك التغيير القادم من الخارج دون أن يستوعب الشعب ذلك الدرس البليغ الذي أحدثه دخول الدبابات الأمريكية إلى شوارع بغداد عام 2003 وذلك الزلزال الذي هدّم البشر والحجر في البلد وجعله مُتخلفاً إلى الوراء لعشرات السنين؟، وربما سيُعيد السؤال نفسه بصيغة أخرى وهو... هل بات الشعب العراقي مستعداً لتكرار التجربة بتدخل خارجي آخر أو حكاية مريرة أخرى قد تكون أقسى من السابقات؟.
تصريحات بعض السياسيين عن إحتمالية حدوث تغيير في العراق بتدخل خارجي ربما هو ناقوس خطر يدّق أجراسه للأصوات الوطنية وأصحاب الغايات النبيلة للوطن أن يكون التغيير على أيديهم لا بأيادي الغير، والبديل القادم عراقياً خالصاً تحت ماركة صُنِعَ في العراق وليس من وراء الحدود لكل من يُريد تبيان مفعول تجربته، فالعراقيين ليسوا فئران أو حقول تجارب لمحاولات الآخرين.
أما السلطة الحاكمة وهي تسمع وترى هذه التصريحات والأقاويل دون أن تحرك ساكناً وتقول لنفسها الأمارة بالسوء كفى، فيبدو أنها لم تتعلم من تجارب السابقين الذين حكموا العراق عندما كانت نهاياتهم على الأغلب مأساوية، خصوصاً عندما يكون الشعب هو صاحب القرار في تلك النهايات وذلك القصاص، إمّا السحل أو الإعدام أو الشنق...وليت الحُكّام الجُدد يتعلمون من ذلك.