تُرى كيف ستكون ردود أفعال أرباب السلطة في العراق فيما إذا خرج إلى ساحات التظاهر (11) مليون أو حتى نصفهم من الذين أعلنت وزارة العمل العراقية في نهاية شهر آذار/مايو 2022 أنهم يعيشون تحت خط الفُقر ولايملكون مصدراً حقيقياً وثابتاً للدخل، وهل تكون المنشورات التي عُثر عليها في شوارع بغداد وبعض المحافظات بعنوان (التغيير قادم) و(البديل قادم) مقدمات أو إيحاءات لبداية ثورة الخبز التي ستُطيح بأركان المعبد السياسي على رؤوس كهنته خصوصاً مع ذلك الفائض النقدي الذي هبط على البلد من جرّاء إرتفاع أسعار النفط عالمياً وتوقعات وزارة المالية إرتفاع إحتياطيات العراق النقدية لأكثر من (90) مليار دولار نهاية العام 2022، فيما بلغت الإيرادات النفطية خلال شهر آيار الماضي أكثر من (11) مليار ونصف وهو رقم فاحش من الإيرادات لم يُحققها العراق طيلة الأعوام السابقة التي مضت، مايعادل موازنة بعض دول الجوار مثل المملكة الأردنية الهاشمية أو حتى سوريا، في الوقت الذي لازال المواطن المتعثر في حياته ورزقه يبحث عن حبة الباراسيتامول في المستشفيات الحكومية وعن الماء الصالح للشرب وعن الكهرباء التي غابت في أروقة الفساد، بل لقد أصبح من أكبر هموم الشاب العراقي أن يجد له وظيفة تُعينه على عاديات الزمن في دوامة ذلك التجاهل الحكومي والمراهنة على صبر الصابرين، والتغاضي والسكوت عن مصير المليارات المنهوبة والعائمة وكيف صُرفت أو تُصرف؟ وأين ذهبت؟ ولا حتى من يُجيب رئيس الجمهورية برهم صالح عن سؤاله في مصير الألف مليار دولار التي ضاعت هباءً منثوراً في ظل منظومة النهب والسرقة منذ عام 2003 ولغاية الآن والتي لو إستُثمرت بأيادٍ وطنية ومخلصة لكان بالإمكان بناء عراق جديد بكامل بُناه التحتية والخدمية يوضع إلى جانب العراق القديم على الخارطة الجغرافية، حيث يعود بناء أقرب بناية في البلد إلى سنوات الثمانينات بعد أن حطّ الحصار بصورته القاتمة السوداوية واقعاً مؤلماً للشعب العراقي فرضته ظروف دخول النظام السابق وإحتلاله الكويت وماتبعه من قرارات أممية ودولية منعت الغذاء والدواء عن الشعب لتنتهي هذه الفترة المظلمة بإحتلال بغداد عام 2003 ودخول الأمريكان إلى شوارعها وتبدأ فصول مسرحية جديدة أكثر قتامة وبؤساً وسوداوية أبطالها الذين دخلوا إلى العراق مع الدبابة الأمريكية بعنوان (محررين لا فاتحين) لحكم العراق وتأسيس إمبراطوريات الفساد واللصوصية والسرقة المُمنهجة لثروات الشعب مع تغاضي المحتل عمّا يحدث بل كان بتشجيع منه لهذه الممارسات الشاذة في التخريب.
هاهو العراق بعد أكثر من (19) عاماً من الإحتلال وفقدان السيادة إلى تنامي ثقافة الفساد التي تحدّث عنها رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري (بالمناسبة كل هؤلاء الساسة يعلمون جيداً من هم الذين سرقوا البلد) لكنهم في بلد العراق حيث يجد المواطن نفسه أسيراً للجوع والحرمان والتخلّف والفساد الذي يُمارس عليه وتتقاذفه أمواج البطالة والفُقر وهو يرى ثروات بلاده وخيراته تُنهب وتُسرق دون أن يجد من يقول لهؤلاء كفى سرقات.
المؤشرات السياسية والتوقعات تؤكد أن ثورة الجِياع قادمة لاشك في ذلك رغم أنها ستكون باهضة التكاليف قد تُدفع من جيوب الفقراء حتى تصل إلى حياتهم، لكنهم أدركوا أنهم وصلوا إلى مرحلة الإنفجار حيث لم تعد صرخات الجوع وأنين الفُقر ينفع لمن صُمّتْ آذانهم، وقديماً قالوا "إذا سافر الفُقر لبلد.. قال له الكُفر خُذني معك" ثورة الخبز قادمة لأن الجوع كافر كما يقولون... فإحذروا غضبة الجِياع إذا جاعوا... إحذروا.