أفلام السيرة الذاتية من أمتع وأصعب القوالب الفنية، سبب ذلك أن التناول الإبداعي لهذه الشخصية أو تلك، سيكون - حتماً - وَفق «اجتهاد» صُنّاع هذا الإبداع.
الفنّانة المصرية، بل العالمية العظيمة، (أم كلثوم) أو «كوكب الشرق»، توفيت في 3 فبراير (شباط) عام 1975، عن عمر يناهز 76 عاماً، فهل يمُكن لفيلمٍ درامي، مهما كانت مدّته، أن يتناول كل أحداث وتفاصيل تلك الـ8 عقود؟!
قبل يومين، شاهدتُ مع الصديق ناصر الحقباني، زميلنا في هذه الصحيفة، فيلم «السِتّ» في صالة السينما بالرياض، والفيلم استغرق ساعتين ونصف الساعة من الزمن.
أعجبني الفيلم، وأدخلني حالة متعة بصرية وسمعية ووجدانية، احترمتُ «جِدّية» صُنّاع الفيلم، من ناحية البحث والتقليب في حياة «السِتّ»، والطريقة الواقعية في مقاربة حياتها، وإظهار لحظات مجدها وانكسارها... مع أداءٍ مُميّز للفنّانة المصرية منى زكي في تجسيد مشاعر ولحظات أم كلثوم، من الريف المصري إلى مسرح أوليمبيا بباريس.
من اللحظات الحرجة التي تناولها الفيلم، لحظة سقوط النظام الملكي، وقيام حكم الضُبّاط. أم كلثوم أهدت أغنية «يا ليلة العيد آنستينا» للملك فاروق، وغنَّت له في عيد ميلاده «اجمعي يا مصر أزهار الأماني، يوم ميلاد المليك... واهتفي بعد تقديم التهاني، شعب مصر يفتديك».
لو كان لي من اقتراحٍ على صُنّاع الفيلم بقيادة المُخرج المُجيد مروان حامد لكان إضافة هذه القصة الحقيقية، حول عودة «السيّدة» أم كلثوم، و«الأستاذ» محمد عبد الوهاب للغناء بعد غضب الضُبّاط منهما، ومحاولة سلب أملاكهما.
لدينا، حول هذه الواقعة رسالة دبلوماسية نادرة - سبق التنويه عنها هنا - مؤرّخة في الشهر الخامس بعد الذكرى الأولى لسيطرة الضباط على الحكم، في السنة السابقة، وهي 1952.
الشهادة التاريخية التالية هي من محمد الطبيشي، قنصل السفارة السعودية بمصر، وقد نشرتها صحيفة «الحياة» من أوراق أم كلثوم نفسها التي آلت إلى عاشق لتراث أم كلثوم، وتفاصيل ذلك موجودة لمن يريد البحث، والنص هو:
«وزارة الخارجية، وكالة المملكة العربية السعودية بمصر، العدد الأول، القاهرة، في 4 - 6 - 1953
بسم الله الرحمن الرحيم. سيادة القائد العام للثورة المباركة الرئيس محمد نجيب حفظه الله، بعد موافقة جلالة الملك عبد العزيز على التدخل في هذا الموضوع، كلَّفني بطريقة غير رسمية إخباركم بهذا الموضوع القاسي جداً، الذي قد علمنا أنه سوف يُتخذ عليه قرار قريباً من مجلس قيادة الثورة، وهو مصادرة أموال الأستاذ محمد عبد الوهاب، والسيدة أم كلثوم، وتحديد الإقامة لهما، وذلك كما يقول التقرير إنهما كانا مقربين من العهد البائد.
لقد حضر عندي كل من الأستاذ محمد عبد الوهاب والسيدة أم كلثوم، وقالا هل كان لدينا أو لغيرنا اتخاذ قرار حرّ في ذلك الوقت، لقد كان يُفرض علينا الأمر فرضاً، ولم نكن نستطيع أن نرفض، إننا الآن قلباً وقالباً مع الثورة المباركة».

