عبده الأسمري
ما بين ميادين «الدعوة» ومضامين «الخطابة» مضي ينثر عبير «الحسنى» في اتجاهات «الأثر» ويحصد تقدير «المحاسن» بين ثنايا «السعي».
سخر «دوافع» النفس في تأصيل «منافع التقوى» موزعاً غنائم «المآثر» في بصائر «الالتزام» وحاصداً مغانم «المناقب» في مصائر «الإلهام» راسماً خرائط «اليقين» على مرأى «الذاكرة» بإشعاع «الذكر» الواجب وسطوع «الشكر» المستحق.
ملأ «الأسماع» بأصداء «التوجيه» واقام صروح «النفع» على أركان «الحرص» وشيد معالم «الشفع» على أسس «الإرشاد» في سيرة ترسخت في عمق «الاستذكار» وتأصلت في أفق «الاعتبار».
إنه الداعية والخطيب الشيخ محمد حسن الدريعي رحمه الله أحد أبرز الدعاة.
بوجه تشع منه ملامح «الود» وتسطع وسطه مطامح «الزهد» وتقاسيم «نجدية» مسجوعة بابتسامة مستديمة مقترنة بالحديث ومقرونة بالحدث مع سمات «ألفة» تجذب «المتلقي» وتبهج «المتابع» وعينان فاقدتان للبصر كانتا واقع صبره ووقع بصيرته وأناقة تعمر «البياض» الذي يلائم نقاء قلبه وصفاء داخله ومحيا عامر باللطف والنبل والفضل وكاريزما تتقاطر أدباً وتهذيباً وشخصية زاهية التعامل باهية الحضور بديعة القول أنيقة التواصل شيقة الحديث وصوت عامر بلهجة «بيضاء» وفصاحة تتعامد على لغة «ندية» مزيجة من بلاغة «اللسان» ونباغة «البيان» يعلو وسطها صوت «الوعي» ويتجلى فيها صدى «الرقي» تنطلق من مخزون «شرعي» قويم ومكنون «دعوي» فريد قضى الدريعي من عمره عقودا وهو يبهج «منابر» المساجد بإضاءات «الخطب» ويملأ قاعات الجامعات بعطاء «التدريس» ويضيء منصات «المعرفة» بسخاء «التأسيس» أكاديمياً وداعية وخطيبا ًوعالماً رسخ اسمه في قوائم «العلماء» وخلد صيته في مقامات «النبلاء».
ولد الدريعي عام 1358 في مدينة «المجمعة» جوهرة إقليم سدير الشهير بزف العلماء والفقهاء إلى محافل «الدعوة» في نهار «شتوي» وزع «وعود» القدوم في أجواء «البهجة» وارتسمت «مباهج» السرور في أوساط أسرته التي توارثت «العلم» وورثت «النبل» وتفتحت عيناه صغيراً على والد فاضل نبيل من وجهاء قومه وأم عطوفة حنونة من كريمات جيلها فنشأ مشفوعاً بتربية صالحة فالحة منحته سر الفضائل وعلمته جهر المكارم..
تعتقت نفسه صغيراً بأنفاس «الإحسان» وتشربت روحه بنفائس «الإيمان» وركض طفلاً مع أقرانه بين ممرات «بلدته» مستنشقاً نفحات «الفجر» في المساجد ومراقباً نداءات «الرزق» في مسالك القادمين على «أجنحة» الكدح منصتاً للألحان «السماوية» المتجلية في حلقات التحفيظ التي غمرت أعماقه بروحانية «المعنى» وسكينة «الخاطر».
ظل ينتهل من «معين» التوجيه ومعن «الوجاهة» في مجالس «عشيرته» الأقربين الذين لمسوا فيه «النبوغ» الباكر وظلت بلاغته «الباكرة» حديثاً ذا شجون في مرابع قومه وحدثاً ذا متون في رؤى أسرته واستمر يلازم والده الذي ألحقه بمجاميع «الكتاب» التي كانت بمثابة «الأرض» الخصبة التي تزخر بدواعي «العلوم» ومساعي «المعارف».
بدأ دراسته الأولى لمدة عامين بمدارس الكُتَّاب، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية السعودية بالمجمعة حيث درس فيها السنوات الأربع الأولى ثم التحق بالقسم التمهيدي في المعهد العلمي بالمجمعة عام 1374هـ، ودرس فيه لمدة عامين ونال الشهادة الابتدائية، ثم التحق بالقسم الإعدادي والثانوي عام 1376هـ، لمدة خمس سنوات وتخرج بتفوق من المعهد العلمي عام 1380هـ.
ولأنه مسكون بالعلا شق طريقة التحصيلي وانتظم دراساً بكلية الشريعة، وكانت تسمى رئاسة الكليات والمعاهد العلمية، وتخرج منها عام 1384هـ
ثم ركض في ميدان «العمل التربوي» وتعين مدرساً بمدينة الأحساء واستمر في مهمته لمدة خمس سنوات من عام 1385هـ إلى عام 1390هـ، وظل فترة تواجده ملازماً للعديد من العلماء والدعاة مواظباً على حضور «الحلقات» ومجاميع الدروس باحثاً عن «ضالة» في عمق نفسه وجهته شطر «الاستقراء والبحث والتحليل» وقراءة أمهات «الكتب والمجلدات وملازمة الفقهاء والانتهال من كل «مصادر» التعلم التي غمرت وجدانه بهمم «الفلاح» وشيم «الصلاح».
واصل الدريعي عمله في قطاع «التعليم» حيث انتقل إلى الرياض معلماً في المتوسطة الأولى لمدة عامين ثم انتقل إلى معهد المعلمين الثانوي والذي تحول لاحقاً إلى «الكلية المتوسطة» وعمل فيه لمدة خمسة عشر عاماً. وواصل دراساته العليا أثناء عمله حتى حصل على درجة الماجستير عام 1404هـ.
وفي عام 1407 فقد «الدريعي» بصره نتيجة خطأ طبي وواجه الأمر بالمثابرة والمصابرة وتحولت «المحنة» إلى «منحة» مستثمراً نقاء «سريرته» في سطوع بصيرته.
انتقل الدريعي عام 1412 إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعمل محاضراً في كلية أصول الدين قسم القرآن وعلومه ومحاضراً في كلية الدعوة والإعلام وظل فيها حتى تقاعد في عام 1423هـ، وتم التعاقد معه لسنوات عدة ظل فيها «الشيخ الموجه» و»الأكاديمي المميز» والوجه البارز في الجامعة وفي مجالس العلم ومواطن التعلم.
تلقى الدريعي علومه من «شيوخ أفاضل» حيث تعلم في بداياته على يد الشيخ حمود بن عبدالله التويجري والشيخ علي بن سليمان وغيرهما وقد بدأ الدعوة وهو في الخامسة عشرة من عمره.
وقد قام بتجهيز وتأسيس مكتبة صوتية تضم حوالي 5000 شريط صوتي سجلها الشيخ بنفسه منذ عام 1380هـ وله العديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية التي ناقش من خلالها كثيراً من قضايا الأسرة والمجتمع، كما ألقى العديد من الخطب والمحاضرات في مختلف المناطق وكان لها «صدى» كبير ومؤثر واشتملت على العديد من التوجيهات والإرشادات والتوصيات في الدين والحياة.
ألف ابنه الدكتور حسن كتاباً عنه بعنوان «في ميادين الدعوة -محطات في حياة الشيخ محمد حسن الدريعي». وللشيخ أعمال جليلة في الأعمال الخيرية فقد كان داعماً للفقراء والمحتاجين ووجهاً للنماء والانتماء في متون «الطاعات والصالحات».
عانى الدريعي من مرض عضال ولازم المستشفى وكان صابراً حامداً حريصاً على أداء مهامه وتسخير همته حتى على «فراش المرض» مستقبلاً الزوار من مشايخه وتلامذته بابتسامة مبهجة رغماً عن «متاعب» الصحة حتى انتقل إلى رحمة الله يوم 21-6-1443هـ، وأديت الصلاة عليه بجامع البابطين بشمال الرياض، ووُورِيَ جثمانه في مقبرة الشمال وحضر جنازته والصلاة عليه جموع العلماء والفقهاء والوجهاء وتقدمهم سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وعدد من أعضاء هيئة كبار العلماء واكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بنبأ وفاته وامتلأت مواقع الصحف بخبر رحيله الذي اقترن بما قدمه من منظومة «علمية» ودعوية ناطقة في ضياء «الأثر» وسامقة في أصداء «المآثر».
«رتب» الدريعي مواعيد «الخير» أمام تجليات «الحقائق» محققاً وعود «الواقع» بأيادٍ بيضاء ومسيرة عصماء نالت «الاتفاق» وحققت «الوفاق» من أعماق «البدايات» إلى آفاق «النهايات».
الشيخ محمد حسن الدريعي.. صاحب «السيرة» المرصعة بدرر «السخاء» الدعوي والموشحة بجواهر «العطاء» العلمي.