إن سألتني عن رجل تجسدت فيه معاني الرجولة الحقيقية فسأجيبك على الفور: إنه سعود العتيبي، الذي فجعت بنبأ رحيله عن دنيانا وحزنت كما لم أحزن من قبل، فقد كان نعم الخل الوفي، والأخ العزيز، والصاحب والزميل في العمل والحياة.
كان سعود ولسنوات طويلة مديراً لتحرير مجلة اليمامة، أحبها كابنته وأخلص لها طوال عمله بها، رغم المغريات العديدة والعروض التي كانت تأتيه ليتولى إدارة المجلات الأخرى، لكنه كان يرفض بأدب، ولم يكن يهوى الدخول في صراعات جانبية كالتي نشهدها في المجال الصحفي، فقد كان ينأى بنفسه عن هذه المهاترات التي لا تفيد كما كان يسميها، حتى إنه كان يبتعد عن التواصل مع العنصر النسائي ليس بدافع الإقصاء وإنما وفاءً لمبدئه في البعد عن المشاكل، فقد كان يحب عمله ويرى أن الانشغال بالأمور الأخرى الخارجة عن العمل لا داعي لها.
كان -رحمه الله- صادقاً ظريفاً حلو المعشر إذا جلست معه لا تريد المغادرة، وكان مثقفاً ثقافة لا تجدها عند كثير من الإعلاميين اليوم، حتى إني كنت أرى منصبه قليلاً عليه بالمقارنة بمهاراته وقدراته الصحفية، وكان يكتفي في الرد عليّ كل مرة بابتسامة جميلة كمعدنه.
أما عن مواقفه الإنسانية فحدث ولا حرج، أذكر أن زميلاً لنا من الإخوة الوافدين صار له حادث وهو بالطريق إلى مجلة اليمامة وكان يعمل تحت إدارة سعود، ومر سعود عليه بالطريق ورأى الحادث لكن لم يدر بخلده أن هذا الزميل المعني به لكنه عندما أعاد النظر في السيارة التي رآها عاد من فوره لمكان الحادث وظل مع الزميل يواسيه ووقف معه حتى جاء المرور وتولى عن الزميل التواصل مع الضابط حتى أتم الإجراءات (كان هذا قبل نجم) ثم اصطحب الزميل إلى منزله، ولم يكتف بذلك فقد عاد إليه بعد ساعة ومعه العشبة معروفة عند أهل نجد بالعصفر؛ التي نعطيها بالعادة لمن يتعرض لحادث حتى تذهب عنه فوبيا الطريق، ولم يذهب هذا التصرف من ذهن وقلب زميلنا حتى هذه اللحظة.
وعندما تولى صديقنا المشترك فهد العبدالكريم -رحمه الله- منصب رئيس التحرير (وكان مديراً أيضاً لتحرير اليمامة) كان سعود أول من سارع لتهنئته رغم أن البعض كان يتوقع له المنصب، لكنه كان يحب صديقه فهد، ويرى أنه أحق منه بالمنصب، ويمدحه وهو غائب عن المكان.
وأذكر له موقفاً آخر يتسم بالطرافة والأمانة في آن واحد، فقد حدث أن رأى -رحمه الله- الدكتور محمد الفيصل وهو يسحب مبلغاً من الصرافة بحي الملك فهد وكان 5000 ريال، ولم يكن يعرفه ويبدو أن خروج المبلغ تأخر من الجهاز، فأخذ الدكتور البطاقة ومضى دون أن يأخذ النقود، وفي اللحظة التي دخل فيها سعود إلى جهاز الصراف طلع المبلغ فأخذه سريعاً وظل يلاحق الدكتور إلى بيته وطرق عليه الباب وقال له: أخذت البطاقة ولا أخذت المبلغ، وكانت الحادثة محل تقدير من الدكتور لصديقي الراحل، وإلى الآن يذكره الفيصل ويدعو له بالرحمة والمغفرة، لأنه كان -رحمه الله- أنموذجاً للأمانة والإخلاص والنبل.
في حياتي لم أندم كثيراً على أشياء فاتتني، لكني اليوم أشعر بالندم الحقيقي على تلك الأيام التي انقضت وأنا أرجئ زيارته المرة تلو الأخرى، فقد فرقتنا الأيام ومشاغل الحياة وعندما كنا نتكلم عبر الهاتف يدعوني للزيارة فأعده ثم تذهب المشاغل بي بعيداً.
وداعاً صديقي العزيز، وإلى أن نلتقي بمشيئة الله في جنة الخلد أسأل الله أن يرحمك ويغفر لك ويتجاوز عنك، ويلهم أهلك الصبر، فكلنا لفقدك محزونون.