: آخر تحديث

من نصدّق...؟

4
5
4

خيرالله خيرالله

من نصدّق؟ هل نصدّق السلطات السورية الجديدة التي أعلنت عن اعتقال أفراد خليّة لـ«حزب الله» في الجنوب السوري ومصادرة أسلحة، بما في ذلك صواريخ «غراد» كانت تحتفظ بها... أم نصدّق الحزب الذي نفى رواية السلطات السورية نفيا قاطعاً؟

ذهب الحزب إلى حد تأكيد «حرصه كل الحرص على استقرار سوريا وأمن شعبها». تجاهل مشاركته المباشرة طوال أكثر من عشر سنوات، من العام 2012 تحديداً، في الحرب على الشعب السوري ومحاولة تغيير التركيبة الديموغرافية للبلد في الوقت ذاته.

في ضوء تجارب الماضي القريب، يبدو الميل إلى تصديق السلطات السورية التي تجد نفسها مضطرة إلى التعاطي بحذر شديد مع جهة تعاني من أزمة عميقة ذات طابع وجودي. تعتبر هذه الجهة، أي «حزب الله» الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، أن سوريا تشكلّ شريان الحياة بالنسبة إليها.

ليس الحزب وحده الذي يريد العودة إلى سوريا. إيران نفسها التي تتحكّم به كلّياً تريد تلك العودة وما زالت تحلم بها. تحلم إيران بتلك العودة بعدما استثمرت طويلاً في النظام الذي أقامه حافظ الأسد وذلك منذ اليوم الأوّل لقيام «الجمهوريّة الإسلاميّة» على انقاض نظام الشاه في العام 1979.

لا تستطيع إيران، بنظامها الحالي، تصوّر نفسها من دون سوريا. من هذا المنطلق، ليس مستبعداً سعيها اليومي إلى العودة إليها عن طريق «حزب الله» أو أي طريقة أخرى تؤمن لها موطئ قدم في هذا البلد الذي تحوّل في عهد بشّار الأسد إلى «ملعب إيراني» لا أكثر.

قبل الوصول إلى مرحلة التدخل المباشر في الحرب التي شنها النظام السوري على شعبه ابتداء من مارس 2011، يمكن العودة إلى اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية في سبتمبر 1980، وهي حرب استمرّت ثماني سنوات، وقف فيها النظام السوري إلى جانب «الجمهوريّة الإسلاميّة». وصل الأمر بحافظ الأسد إلى تزويد إيران صواريخ، مصدرها ليبيا، من أجل أن تتمكن من قصف مدن عراقيّة. كان الأسد الأب طوال الحرب العراقيّة - الإيرانيّة خير سند لإيران التي كانت ترفع وقتذاك شعار «تصدير الثورة».

ليس سرّا أنّ «حزب الله» تأسّس في السفارة الإيرانيّة في دمشق وأنّ المجموعة الأولى من «الحرس الثوري» دخلت إلى لبنان من الأراضي السوريّة صيف العام 1982 بتسهيلات من حافظ الأسد نفسه.

كان المبرّر الظاهر لهذا الدخول المساهمة في صدّ الهجوم الإسرائيلي الواسع الذي تعرّض له لبنان وقتذاك.

في الواقع، بدأ التدخل الإيراني المباشر في لبنان بإعتداء على الجيش اللبناني إذ سيطر «الحرس الثوري» على ثكنة للجيش في بعلبك، هي ثكنة الشيخ عبدالله.

كان احتلال إيران لتلك الثكنة رمزا لطبيعة وجود «الجمهوريّة الإسلاميّة» الجديد في البلد، بالتعاون مع النظام السوري وبالتنسيق معه.

مع مرور السنوات، صارت إيران تمتلك قرار الحرب والسلم في لبنان. أكثر من ذلك، ترفض أخذ العلم بهزيمة «حزب الله» أمام إسرائيل وخروج سوريا من الهيمنة التي مارستها «الجمهوريّة الإسلاميّة» على بلد فيه أكثريّة سنّية.

ليس سرّا أيضاً أنّ «الحرس الثوري» لم يأت إلى لبنان سوى في مهمّة وحيدة هي العمل على جعل «حزب الله» قوّة عسكرية قادرة على السيطرة على البلد من جهة والتحول إلى أداة لدى «الحرس الثوري» من جهة أخرى.

بعد سنوات طويلة من تأسيس «حزب الله»، انطلاقا من سفارة «الجمهوريّة الإسلاميّة» في دمشق، لعب الحزب دوراً فاعلاً في تمكين النظام السوري من الصمود في وجه الثورة الشعبيّة وصولا إلى يوم الثامن من ديسمبر 2024، يوم فرار بشّار الأسد إلى موسكو.

يعبّر رهان إيران على العودة عن سوريا عن أهمّية الحدث التاريخي الذي يتمثّل في خروج النظام الأقلّوي من السلطة. إنّه رهان إيراني على وهم أكثر من أي شيء آخر. لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوّة، هل يستطيع النظام الإيراني العيش من دون سوريا؟

الجواب أنّ على النظام الإيراني التوقف عن استخدام «حزب الله» من أجل العودة إلى سوريا. لا فائدة من محاولات واهية من هذا النوع.

يوجد واقع جديد في المنطقة كلّها، بغض النظر عن الصعوبات الداخليّة التي تواجه سوريا والنظام الجديد فيها، وهو واقع يمكن أن يغيّر سوريا ويفتّتها لكنّه لا يمكن أن يعود أطراف النظام السابق إلى السلطة فيها. انتهت ضمانة إسرائيل لهذا النظام الذي قبل تسليم الجولان في العام 1967 عندما كان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع. عاش النظام، الذي تأسس في عمليّاً في 23 فبراير 1966، منذ ذلك التاريخ على الدعم الإسرائيلي.

لم تكن الدولة العبرية يوماً ضد التقارب بين دمشق وطهران منذ انتصار «الثورة الإسلاميّة» في 1979. تغاضت إسرائيل إلى ما قبل فترة قصيرة عن العلاقة العضوية التي أقامها بشّار الأسد مع «حزب الله».

عرفت كيف تستخدم هذه العلاقة كي تصبّ في مصلحتها تماما مثلما استخدمت الحرب العراقيّة - الإيرانيّة بين 1980 و1988 من أجل ضمان استنزاف العراق لإيران واستنزاف إيران للعراق، فضلاً عن استنزاف دول الخليج العربي التي تأثّرت بتاك الحرب.

ولد الواقع الإقليمي الجديد من رحم «طوفان الأقصى»، الهجوم الذي شنته «حماس» على مستوطنات غرّة في السابع من أكتوبر 2023. لا تزال إيران ترفض التعاطي مع هذا الواقع الإقليمي الجديد المتمثل في الخروج من سوريا والذي أدى عمليا إلى خروجها من لبنان عاجلا أم آجلا...

تبدو سوريا عقدة النظام الإيراني، وهي عقدة ليس ما يشير، إلى اشعار آخر، إلى قدرته على التخلّص منها...


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد