: آخر تحديث

غابة انحنت... فابتلعت!

3
3
3

عمر الطبطبائي

في غابة بعيدة جاء وحش غريب من وراء البحر، لم يكن يُشبه مخلوقات الغابة ولا ينتمي إليها، لكنه استقر بينهم بدعم مارد بعيد يملك المال والسلاح. لم يأت الوحش ليعيش بينهم بسلام، إنما ليكون عيناً وسيفاً لذلك المارد، يضرب مَنْ يجرؤ على الحلم ويُخيف مَنْ يفكر بالحرية والاستقلال الحقيقي.

قال بعضهم: «دعونا نصافح الوحش لعلنا نجد عنده منفعة، فقد تعبنا من القتال»، وقال آخرون: «المارد وراءه، فلنرضخ ونكسب بعض الطعام»، فانحنت أعناق كثيرة وبدأوا يزينون الوحش بالورود حتى بات وجوده يبدو طبيعياً، لكن الوحش لم يزدد إلا شراسة، ولم يزدهم إلا ضعفاً.

وقف ثعلب كبير وقد بانت عليه خبرة السنين وقال: «الوحش ليس جاراً بل حارس لبوابة لا يملكها، إن أطعتموه اليوم أكلكم غداً، الحكمة ليست أن نركع إنما أن نعرف مَنْ يستخدمه»، فرد أحدهم: «لكننا ضعفاء لا نملك سيفاً ولا أنياباً، كيف نقاوم؟»، ابتسم الثعلب وقال: «ليست الحرب دائماً بالسيوف، أحياناً تكون بالقمح الذي تزرعه بيدك، بالسلعة التي تختارها أو تقاطعها، وبالتحالف مع مَنْ يشاطرك المصلحة لا مَنْ يستعبدك».

ومرت الأعوام... فإذا بالغابة التي انحنت أكثر جوعاً وفقراً. لم يكتف الوحش بأن يسكن بينهم، بل أصبح يفرض بضاعته ويأخذ خيراتهم، حتى إذا ألفوا تجارته واطمأنوا إلى أسواقه قلب عليهم وجهه، وضربهم في بيوتهم، ثم أخذ يُهدّدهم بأرضهم نفسها، كأنها ملك يده لا ملكهم، أما الغابات البعيدة التي رفضت الانحناء فقد اشتدت أشجارها وارتفعت، وأصبحت قادرة على أن تقول للمارد: «لست وحدك في هذا العالم».

عندها صعد الثعلب فوق صخرة وقال: «ليس المطلوب أن نهاجم الوحش، بل أن نحرمه من الأرض التي يعيش عليها، إذا لم نفتح له أسواقنا، ولم نزوّده بخيراتنا، ولم نتركه يتاجر بأحلامنا، فلن يجد ما يبقيه بيننا، مَنْ يركع اليوم طمعاً في فتات قليل، سيؤكل غداً من دون مقابل، أما مَنْ يصبر ويزرع بيديه، فسيأكل غداً بكرامة وسيحفظ حريته»!

اللهم قد قلنا ما في ضميرنا فكن لنا شهيداً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد