وطالب بأن نبني توقعاتِنا بما يمكن تحقيقُه ضمنَ أفق سياسيّ عمليّ، والتركيز على «حل الدولتين»، بحيث يصبحُ مطلباً ملحّاً يؤيده المجتمع الدولي، بما في ذلك حلفاءُ إسرائيل وأصدقاؤها. وأشاد الراشد، كما فعل ويفعل تلامذته في الكويت، باتفاقيات السلام التي أعادت قناة السويس وسيناء لمصر، وعودة «آلاف» الفلسطينيين من منافيهم في تونسَ واليمن إلى الضَّفةِ (!!). كما أشاد بنجاح إسرائيل العسكري الهائل، وأنها لا تزال قادرةً على المزيد، وأن حتى إيران، بصواريخها الضاربة، انكفأت اليومَ إلا من البيانات الرسمية. أما إسرائيل فلعبتها الحروب، وهي تخشى المواجهات السياسية، فهي حتَّى مع دعم الإدارة الأمريكيةِ، لا تستطيع ضمانَ تأييدها في مواجهاتٍ دبلوماسية مدروسة، وتنسجمُ مع تصورات هذه الدول.. هكذا! وختم بأن الطروحاتُ السياسية، مثل حلّ الدولتين، ستجدُ قبولاً عند فئة من الشّعب الإسرائيلي وستكسب شرائحَ أكثر مع الوقت. لأنَّ الحلَّ سيقدم الضمانات بدلاً من حروب نتانياهو، أي تأمين أمن الإسرائيليين ومنع تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر.
* * *
نحن على مشارفِ مرحلة لم يسبق أن مررنا بمثلها، فكل دولنا، والخليجية بالذات، معرضة للاعتداء، فهي مثيرة لشهية أي معتدٍ، فهي فاحشة الثراء، قليلة السكان، نسبياً، وخالية تقريباً من المشاكل، مقارنةً بدول مثقلة بالمشاكل كمصر والسودان والعراق. والأهم من ذلك أن «إسرائيل اليوم»، التي أعادت سيناء، وبعض الكيلومترات للفلسطينيين والأردنيين، هي غير إسرائيل الأمس، وحلم «إسرائيل الكبرى» قابل اليوم للتحقق، في بضع سنوات، وقد تضيع الفرصة منها مع أي تغير رئاسي في الدول المؤثرة. فقد أثبتت حرب الأيام الـ12، أن حجم إسرائيل المتناهي في الصغر نسبياً، يجب ألا يبقى كذلك، حتى مع ترسانتها من الأسلحة النووية، فهي بحاجة ماسة لمضاعفة مساحتها، ولا ترغب حتماً في أن تضيع فرصتها في أن تكون أكبر، وأكثر أماناً.
* * *
من الواضح، أننا نتعرض لحالة اعتداء سياسية ونفسية مدروسة، هدفها بث اليأس الكامل في النفوس، وزرع الإحباط، وتحضيرنا للاستسلام لمصيرنا. فلو توسعت إسرائيل غداً، جنوباً، فسيكرر هؤلاء كلمات الإحباط نفسها، وسنطالب بقبول الأمر الواقع، وليستمر القضم وليستمر الخنوع، مع تجرع كؤوس الذل والهوان.
لست من دعاة الحروب، ولا أطالب بإلغاء المعاهدات، ولا بالتخلص من القواعد العسكرية، لكن أطالب بالحد الأدنى من احترام النفس والتضامن، في مواجهة آلة عسكرية وسياسية لا أخلاقية، يؤمن قادتها بأننا، توراتياً، لا نستحق غير الإفناء، وهي حرب بين أهل الجنة وأهل الجحيم.
خوفي المبرر أنا سنردد، قريباً: «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»!
أحمد الصراف