: آخر تحديث

خطاب يصوغ المستقبل

1
1
2

يمثّل الخطاب الملكي السنوي في مجلس الشورى لحظة فارقة بالغة الأهمية، ذلك أنّه خطاب يتجاوز تسجيل ما تحقق من إنجازات على مستوى الوطن سواء محليّاً أو إقليمياً أو عالميّاً، ليرسم ملامح المستقبل، واستشراف آفاقه. وقد جاء هذا الخطاب الذي ألقاه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، حاملاً قراءة مُتبصّرة، زاوجَتْ بين إرث الدولة السعودية الممتد لثلاثة قرون، وبين آفاق ومنطلقات قرننا الجاري بما يحمله من تحدّيات وفُرص.

وقد قدّم الخطاب صورة جليّة وتأكيداً راسخاً على أهمية وقيمة المرتكزات التي انبنت وقامت عليها المملكة؛ وهي إعلاء الشريعة وإقامة العدل والشورى، وهي مرتكزات ثابتة، ونهجٌ أصيل، استمرّت وتستمرّ -بفضل الله- في مسيرة بلادنا المبارَكة كمبادئ تستند عليها جميع سياساتها في الداخل والخارج. ولعل هذا ما يلمسه المتابع من تأكيد على وحدة الصف الخليجي والعربي، وعلى الوقوف مع الشقيقة قطر، وكذلك الأشقّاء في الأزمات، وقوفاً دائماً، وبلا حدّ، وهو ملمح ومشهد يعزز قيمة التضامن الذي يتجاوز حدود المصالح والمشتركات البينية إلى عُمْق المصير المشترك.

على الجانب المحلي اقتصاديّاً، حفل الخطاب الملكي بسرد عميق؛ فكانت الأرقام كاشفة عن تحوُّل عميق في الناتج المحلي، فقد تجاوز 4.5 تريليونات ريال، وأكثر من نصفه من الأنشطة غير النفطية، في إشارة إلى أن التنويع لم يعد خياراً بل بات واقعاً، كما تعرّض للذكاء الاصطناعي، وكيف أنّه مجال ستغدو المملكة مركزاً له، وهو ما يشي بأن الاقتصاد السعودي سيكون على تقاطع بين الحاضر الرقمي والمستقبل المعرفي.

وثمّة ملمح مهم لفت له سمو ولي العهد في الخطاب، حيث أكّد على أهمية المراجعة المستمرة باعتبارها ضرورة، وقد أوضح سموه بأنه «لن نتردد في إلغاء أو تعديل أي برنامج لا يخدم المصلحة العامة»، وهو ما يضفي على تجربة المملكة طابعاً خصوصياً يجعلها تعيد موضعة أفكارها ورؤاها واستراتيجياتها وبما يخدم مسيرتها، وهذا ما بدا واضحاً في سياسات معالجة أسعار العقار، وتوجيه الإنفاق نحو الأولويات الوطنية، وتوسيع فرص التوظيف للرجال والنساء، وخفض معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة.

ويأتي الحديث في الخطاب الملكي مُجلياً للثوابت السعودية الراسخة، والمواقف التي تؤكد بأنها ثوابت لا تقبل الحياد، ولا التغيير، ولا الارتهان لأي مصالح سوى الالتزام بمبادئنا وثوابتنا، وقيمنا الأصيلة التي تستند على عقيدة صافية، ومبادئ نبيلة، وقيم أصيلة تعكس جوهر أصالتنا والتزامنا وأخلاقياتنا التي لا تقبل المساس أو التنازل؛ فعلى صعيد السياسة الخارجية، جاء الخطاب ليؤكد أن الثوابت السعودية لم تتغير: فلسطين أولاً، وغزة أرض ثابتة في وجدان الأمة لا ينتزع حقها عدوان، وكذلك تأكيد راسخ بأنه من مبادرة السلام العربية ينطلق الحل العادل القائم على الدولتين، فيما تتواصل الجهود الدبلوماسية لانتزاع اعتراف أوسع بالدولة الفلسطينية. كما جاء الخطاب مُعبّراً عن مواقف محورية تجاه سوريا ولبنان واليمن والسودان، مؤكدة أن الاستقرار فيها ليس ترفاً بل ضرورة لصون الأمن العربي والإقليمي.

يبقى التأكيد على الخطاب الملكي السنوي في مجلس الشورى تشرئبُّ إليه الأعناق، ذلك أنه مرآة ناصعة الانعكاس نُطلُّ منها على المستقبل بكافّة تجلّياته وآفاقه الرحبة التي تليق بتاريخ وطننا ومكانته وطموحه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد