موسى بهبهاني
يمر الإنسان في حياته بمراحل عدة مختلفة، تبدأ بمرحلة الطفولة ثم المراهقة فالشباب، وهي المراحل التي يتلقى فيها تحصيله العلمي، وبعد ذلك يلتحق بالعمل ليكسب رزقه، ثم تأتي بعدها مرحلة التقدم في العمر ليحال على التقاعد.
التوقف عن مزاولة العمل أمر حتمي لا بد منه، وهو سُنة الحياة وتتبعها مرحلة الراحة والتحرر من المسؤوليات وقيود العمل، وتبدأ المرحلة الجديدة حيث يتحرر تماماً الموظف من قيود العمل، ويبدأ بالتكيف مع الوضع الجديد لا التزام بالخروج المبكر، ولن يعود إلى منزله مجهداً.
فهي بداية مرحلة أخرى من النشاط والحياة الجميلة بالقرب من الأسرة والأحبة والأصدقاء.
التقاعد إما يكون:
1 - اختياراً حيث يتخذ الموظف قرار التقاعد عن قناعة.
2 - إجبارياً بإحالة الموظف على التقاعد من قِبلِ الجهة المسؤولة.
3 - لظروف قاهرة متعددة.
فالمتقاعدون موظفون سابقون أدوا أعمالهم بكل إخلاص وأمانة وتفانٍ لسنوات طويلة، والتقاعد أمر طبيعي وحتمي وهو من سُنن الحياة، وسيصل إليه الموظف في نهاية المطاف، وهو أمر سيواجهه جميع موظفي الدولة من عسكريين ومدنيين، ليبدأ بعدها مشوار الابتعاد عن الوظيفة والانتقال لمرحلة ما بعد العمل.
سنتطرق في هذا المقال، إن كان التقاعد إجبارياً:
- أحياناً يتم التضييق على الموظفين بحيث تتم إحالتهم على المكتب الفني أو ديوان الوزارة، وتفرض عليهم البصمة في بداية ونهاية الدوام، لا مكاتب ولا عمل يسند إليهم، فقط التجميد (القصد من ذلك الدفع بهم إلى التقاعد)!
وهناك مجموعة من الموظفين لم تكتمل خدمتها المدة الزمنية (30 سنة) كي تستفيد من راتبها بنسبة أعلى.
ففي هذه الحالة، جهة العمل ملزمة بان تتحمل تبعات القرار من خلال توفير التعويض المادي المناسب وشراء سنوات الخدمة الباقية.
- المفارقة:
عندما يلتحق الموظف في بداية تعيينه بالعمل يسوده الفرح والسرور، لكن عندما يتقاعد يسوده الحزن والحسرة، بسبب عدم التقدير من قبل الجهة التي عمل بها لسنوات طويلة.
مَنْ هو المتقاعد؟
المتقاعد هو: الجد/ الجدة/ الأب/الأم/ الأخت/ الأخ/الابن والأقرباء...
والتكريم من حق كل موظف ملتزم بإداء عمله، سواء كان عسكرياً او مدنياً، فعند نهاية المطاف الوظيفي، يستحق الموظف الكفء الملتزم والمنتج في عمله، رد التحية والتقدير لما بذله من جهد وعمل متقن طوال مدة خدمته في سبيل الرقي بمؤسسات الدولة.
لذلك من الأصوب ألا يتخذ قرار الإحالة على التقاعد من الجهات المعنية بطريقة مفاجئة، بل يجب أن يتم الاجتماع والتنسيق مع الموظف الذي سيتم الاستغناء عن خدماته بعد الفترة الزمنية الطويلة، التي أفنى فيها شبابه في مجال العمل.
أليس لهذا الموظف حقوق من الجهة التي يعمل بها؟
ما الضرر إن تم منحه فرصة على الأقل سنتان ليقوم بترتيب أموره المالية (التزامات مالية وقروض).
فالقرار المفاجئ للإحالة على التقاعد أمر فيه تعسف وإجحاف، ولذلك يتطلب الأمر التأني، فالغاية من التقاعد ليست انتقاماً أو عقوبة، إنما علاقة وظيفية سوية، كما تم التحاق الموظف بالعمل وهو مبتهج ومسرور، يترك الوظيفة وهو كذلك.
إنما ما نشاهده الآن، أن بعض الجهات تتخذ قرارات تعسفية ضد مَنْ يُحال على التقاعد، وبسبب ذلك يغادر الموظف عمله وهو مهموم وغير راضٍ عن طريقة إنهاء خدماته وعدم تقديره.
الوظائف الفنية
وبالطبع، الخبرة المتراكمة للموظف مهمة في كل مجالات العمل خصوصاً في الوظائف الفنية والتي تُعد كنزاً لشاغليها، ويجب الاستفادة من المهارات والمعرفة المكتسبة من خلال سنوات الخبرة الطويلة.
أليس الخبير في أي مجال كان، يملك المعرفة الفنية الوافية في المجال الذي يشغله وتتم استشارته للتدقيق على اي أمر طارئ؟
لماذا لا تتم الاستفادة من تلك الخبرات الفنية في القطاعين العسكري والمدني، وفي تدريب الكوادر الشابة لرفع مستوى العاملين، ومن ثم يتم الإحلال تدريجياً لتستمر المسيرة بنجاح في القطاعات المختلفة.
تكريم الموظف المنتج والملتزم بعمله قبل تقاعده، واجب على الجهات المعنية تقديراً لخدمته خلال فترة عمله.
- العلاقة بين الموظف ومرؤوسيه قائمة على الاحترام والتواصل الفعّال، وبالتالي فالموظف الذي سيترك الوظيفة التي أفنى شبابه بها لسنوات طويلة، ما الضرر إن غادر وهو راضٍ؟
المفارقة العجيبة وهي مدعاة للتساؤل:
الموظف الكويتي يُحال على التقاعد وهو في الخمسينات، ولاتزال لديه القدرة على الإنتاج والعمل، بينما بعض الوافدين تُجدد لهم عقودهم، وبعضهم يناهز السبعين من العمر، مع أن السبب الذي يدعو إلى تجديد عقده ذاته متوافر في الموظف الكويتي، وهو الخبرة الفنية المتراكمة على مر السنين.
لم يكن التكريم والتقدير بدعة أو ترفاً، بل هو نهج أصيل دأبت عليه الدولة ومازالت تكرّم فيه المتفوقين والخريجين وتحتفي بالفنانين والرياضيين.
ومن باب أولى هنا أن يشمل هذا التكريم الموظفين المتقاعدين الذين أفنوا أعمارهم وأحرقوا شمعة حياتهم في سبيل خدمة الوطن والمواطنين.
إن تكريمهم ليس مجرد لفتة رمزية بل هو من أبسط حقوقهم ومن صور الوفاء لمَنْ بذلوا الجهد والعطاء.
فليكن هذا التكريم دافعاً لمَنْ لايزالون في ميادين العمل، وحافزاً لمَنْ سيلتحقون بهذا الركب ليعلموا أن الوطن لا ينسى أبناءه وأن العطاء لا يُقابل بالنسيان والجحود بل بالتقدير والعرفان.
ختاماً
التقاعد أمر لا بد منه، ولذلك ننصح أبناؤنا الموظفين الذين لم يصلوا إلى سن التقاعد بأن يراجعوا حساباتهم ويستعدوا بالشكل المطلوب لهذا اليوم... ابدأوا بتنظيم أموركم المالية وأنتم في الخدمة.
المشكلة التي يواجهها المتقاعد، ان معظم الراتب عبارة عن بدلات ومكافآت مرتبطة بطبيعة العمل، تُلغى عند التقاعد، فيجد نفسه في وضع مادي صعب للغاية... فرق شاسع بين راتبه أثناء الخدمة وراتبه بعد التقاعد.
وهذا أحد أكبر الأسباب التي تجعل الكثيرين يُصرّون على الاستمرار بالعمل.
نصيحة للموظفين الجُدد
- قم بادخار جزء من الراتب بانتظام منذ بدء الالتحاق بالعمل، لضمان المستوى المعيشي المريح بعد التقاعد.
- الاهتمام بالصحة البدنية والنفسية بممارسة الأنشطة التي تساعد على الاسترخاء وتخفيف التوتر.
دور الدولة
السماح بتفعيل وإنشاء صندوق الزمالة والتشجيع عليه، بحيث يستفيد منه جميع موظفي الدولة، وذلك لتوفير مبلغ مالي إضافي عند انتهاء الخدمة ببلوغ سن التقاعد، كما هو المعمول به في بعض الجهات.
اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمدلله رب العالمين.