محمد الرميحي
تشهد أنظمة التعليم في الخليج توسعاً في البنى التحتية والإنفاق، لكن جودة التعليم القائمة على ترقية المهارات التي يحتاجها سوق العمل المتغير، ما زالت التحدي المركزي، أو أولوية مسكوتاً عنها. تقارير دولية تؤكد أن تحسين جودة التعليم شرط للنمو المستدام، وتنوع الاقتصاد، وحياة أفضل للمواطنين ووعي أفضل للمواطنة.
معدلات الالتحاق (خصوصاً في المرحلة الجامعية) مرتفعة نسبياً، وتستمر بالصعود، مع فروق بين الدول الخليجية نسبية.
يصل إلى التعليم العالي في دول الخليج خريجون، إما من المدارس الحكومية، أو المدارس الخاصة، مع اختلاف في لغة التدريس، والمساقات. وبناءً على مستوى قياس جودة التعليم الدولية، تظهر المعطيات أن متوسطات سوية التعليم في الخليج عموماً، أقل من المتوسط في الرياضيات والقراءة والعلوم، مع تباين بين الدول.
أما في التفكير الإبداعي فالنسب في الغالب متدنية، ما يظهر القصور في مهارات التعليم، خصوصاً النقدية، والقدرة على حل المشكلات، المبادرات الذاتية.
التقارير المتاحة للتعليم في الخليج، تظهر أن هناك فجوة مهارات ومعلومات في مخرجات التعليم، وعدم مواءمتها مع احتياجات القطاع الخاص، أو حتى الحكومي، ما ينتج صعوبات في توظيف الشباب على الرغم من أن دول مجلس التعاون تشكل مستويات أعلى عن بقية الدول العربية، إلا أنها في الغالب تحتاج إلى إعادة زيارة لمجال التعليم والتدريب، من خلال وضع خطط لربط التمويل بجودة المخرجات، وتعزيز الاستقلالية والمساءلة المدرسية.
بعض دول الخليج قامت بإصلاحات تعليمية في السنوات الأخيرة، كمثل ما تضمن رؤية 2030 في المملكة العربية السعودية، التي تركز على المهارات والابتكار، مع مساقات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، واللغات وإدراج السياحة والضيافة وغيرها من المواد الحديثة كمادة أساسية في التعليم العام، أما في الإمارات فقد أطلق منهج الذكاء الاصطناعي مبكراً، وتمت تحديثات واسعة في التقييمات المدرسية بشكل مرن، وقامت أيضاً بفتح مدارس جديدة لتحسين القدرات الاستيعابية للدارسين.
تلك أمثلة عن الجهود التي تبذل في هذا الملف، أما ما ينقص التعليم ليكون رافعة في بناء الإنسان الأفضل في منطقة الخليج، فهو التركيز على جودة التعلم المعمق، أي تحويل المناهج إلى تعميق كفاءات ومهارات التفكير النقدي، ومهارات التواصل، والقيام بإبداعات بحثية، وأهمية تدريب وتأهيل المعلم، وقد تم الحديث تكراراً حول أن يكون للمعلم رخصة مهنية، مرتبطة بالأداء والتخصص والمهارات التعليمية.
تجارب العالم تقول إنه لا تحسين في مستوى المدرسين إلا بتقديم حوافز مالية، من أجل، استقطاب أفضل الكفاءات في العمل في التعليم، وأيضاً وجود آلية حاسمة للتخلص من القدرات الأدنى، سواء أكانت محلية أم مقبلة من الخارج. بعض دول الخليج تضع عقبات أمام الاستغناء عن المعلم المواطن، وهذه سياسة تحتاج إلى إعادة النظر، فاختبار المدرس (العام والجامعي) هو الخطوة الأولى في تحسين جودة التعليم.
كمشارك في التعليم الجامعي لنصف قرن، ألاحظ تراجعاً عما كان عليه عندما بدأ في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. المعضلة هنا في تأهيل المدرس أو الأستاذ الجامعي، وقد تدفق على هذا المجال عدد من غير المؤهلين، الذين لا يستطيعون أن يقدموا لطلابهم من حيث الكيف والكم، وأيضاً من حيث الموقف المهني، إضافات في مجال التعليم والتدريب. وحمل شهادة (الدكتوراه) ليست مؤهلاً كافياً للانخراط في التعليم الجامعي.
هناك ضحالة في قدرات عدد من هؤلاء القائمين على التدريس، تظهر في كتاباتهم، أو في لقاءاتهم الإعلامية، وحتى في كتابة بعض النصوص القصيرة على وسائل التواصل، والعجب كيف يستمر مثل هؤلاء في التعليم مع فقر في قدراتهم المعرفية والاتصالية.