ناهد الأغا
لطالما كانت محطات الأنثى بعد سن الثلاثين هي أحلامها.. وغالباً مايكون نضجها الفكري؛ ثقافتها؛ علمها؛ الأمل بما هو قادم؛ القلم الذي يخط طموحها؛ الحبر الذي مداده شبابها؛ مواكبة التطور الذي هو نهر زادها الذي لاينضب؛ وبالتالي هو النجاح الذي يكون المحطة الرابحة.. تلك التي زرعت بها بذور الرجاء لتحصدها سنابل ذهبية في بيادر غايات سامية أقسمت بكل ما أوتيت من جهد أن تحققها بيقين الواثق.
كل ما عددناه من أجزاء نتيجته الكل؛ فالجزء شقيق الكل الأصغر.. وللوصول إليه لابد وأن يترافق وحالة الحرمان من نفاذ الوقت يتماهى معه صداقة الإنتظار التي هي والصبر صنوان.. تلك المراحل التي عشناها واجتزنا اختباراتها الصعبة فهي حتماً نتيجتها الانتصار.
فطوبى لأولئك الذين أيقنوا أن الجلوس والركون لمنطقة الراحة طمأنينة خادعة؛ وهي بالمقارنة أشد غدرا من عامل الوقت ومرور الزمن التي إن تمكنت منه أنسته سمو الحلم؛ وبددت في ذاته ثقل الغاية.
هذه الفلسفة المحمومة نشاطاً وحيوية وعملاً مضنيا، بل جهداً متفانيا هو ماعملت به ريانة البرناوي، بل جعلته عنواناً لامرأة متفردة.. صفعت أعتى التحديات وذللتها لتأتيها أحلامها طواعية معلنة صهيل البلوغ في مضمار الإبداع والابتكار.
وريانة برناوي رائدة الفضاء السعودية التي وقع عليها الإختيار ضمن برنامج «السعودية لرواد الفضاء» والذي أطلق في 22 سبتمبر/ أيلول لعام 2022... هذا واختارتها الهيئة السعودية للفضاء يوم 12 فبراير/ شباط لعام 2023 لتكون ضمن طاقم مهمة (إيه إكس - 2) الفضائية لتصبح أول امرأة سعودية تذهب للفضاء.
ريانة التي نشأت نشأة حجازية وعلى وجه التحديد في مكة المكرمة؛ وهناك من عائلتها من عاش منهم في جدة والطائف والمدينة المنورة.
وتروي ريانة قصتها وشغفها منذ نعومة أظفارها بالبحث والتنقيب.. ولثقتها بنفسها ترى في ذاتها مخترعة صغيرة؛ وعزز ذاك الشعور لديها دعم والديها لها وسقي بماء اهتمامهما البالغ تنمية تلك الموهبة.. وتؤكد ريانة وتخص بذلك رعاية والدتها لها ولاخوتها وتشجيعهم أيما تشجيع على حرية آرائهم والاستقلال بقراراتهم دونما فرضها عليهم مع مسحة من توجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح وإرشادهم لتخطيهم حيرة اتخاذها؛ والوصول بسلاسة إلى القرار السليم.
وتردف قائلة والكلام لريانة في معرض حديثها عن والدتها بأنها سألتها ذات يوم هل تريدين الذهاب الى الفضاء فكانت الإجابة : «نعم أكيد أريد الذهاب» وكان ردها عليها : «توكلي على الله».
وكما أسلفنا شغف ريانة بالعلوم الفضائية جعل لها رأيها الخاص واتخذته ايديولوجيا استثنائية؛ فهي ترى أنه ماكان للإنسان والبشرية الوصول إلى التطور التكنولوجي المذهل والذي تعيشه الإنسانية لولا استكشاف الفضاء قبل 60 عاماً.. لأن أبحاث وتجارب الفضاء تحمل بمضمونها أبعاداً عميقة مترفة بالالهام والابتكار.
والدرجات العلمية التي نالتها ريانة.. حصولها على درجة البكالوريوس في علم الإنجاب والهندسة الوراثية؛ وتطوير الأنسجة من جامعة أوتاجو بنيوزيلندا.. كما حصلت على درجة الماجستير بمرتبة الشرف في العلوم الطبية الحيوية من جامعة الفيصل.
قدمت ريانة برناوي باقة تفوح عطراً بإنجازاتها.. ففي عام 2012 اختيرت ضمن وفد سعودي لزيارة المستشفيات ومصانع الأدوية في مدينة «تيانجين» الصينية لتعزيز التعاون الطبي بين السعودية والصين.
وبعد عودتها من رحلتها العلمية عكفت بكل جهد دؤوب لرفد عملها كاختصاصية أبحاث ومختبرات في مجال الخلايا الجذعية السرطانية لمدة 9 سنوات حتى حصولها على الماجستير.. بعدها ترأست الإشراف على مسابقة «الفضاء مداك» عام 2024 والتي تم الإعلان عنها من قبل وكالة الفضاء السعودية؛ وهي تصنف من أكبر المسابقات في مجال علوم الفضاء بالعالم العربي؛ كما طورت خلال الـ9 سنوات بمختبرات الأبحاث العديد من بروتوكولات البحث الخاصة بها لاسيما التقنيات وإدارة المشروعات المتعلقة بأبحاث سرطان الثدي. واستكملت هذه الأبحاث وطورت بها بشكل مستفيض وقدمت أبحاث أكثر عمقاً خلال رحلتها الفضائية؛ تلك الأبحاث التي بدأتها بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض.
ولعل أهم محطة مشرقة من محطات نجاح ريانة برناوي «تجربتها في الفضاء» حيث أعربت عن سرورها وفخرها قبل انطلاقها في رحلتها الفضائية؛ وعن مدى سعادتها بمرافقة زميلها علي القرني رائد الفضاء السعودي من جهة؛ ومن جهة أخرى أنها تعقد آمالها بوضع بصمة سعودية مميزة في مجال الفضاء؛ ناهيك عن كونها امرأة تمثل أحلام وآمال السعوديين والسعوديات.
وعلى متن مركبة «دراغون 2» يوم 21 مايو/ أيار 2023 والتي حملها صاروخ «سبيس اكس فالكون -9» التابع لشركة «سبيس اكس» من مركز كيندي للفضاء بقاعدة كيب كنافيرال في ولاية فلوريدا الأمريكية انطلقت.. وبعد 16 ساعة وصلت إلى المحطة الفضائية الدولية أي في 22 مايو/ أيار 2023.. وطاقمها كما أشرنا «إيه إكس -2» أجرى أكثر من 20 بحثاً ومشروعا علمياً خلال عشرة أيام؛ حيث كانت كما نوهنا عن الخلايا الجذعية والأبحاث الطبية والحيوية الأخرى.. كما قدمت دراسات حول تاثير الفضاء على الصحة البشرية؛ كما كان لتكنولوجيا الاستمطار جزء من أبحاثها؛ وغيرها ذات صلة بالخلايا الجذعية لاسيما المتعلقة بسرطان الثدي.
وبهذه الأبحاث التي وصلت عيناتها إلى 92 لنتائج تجاربها الدولية؛ حققت ريانة النتائج المرجوة من الرحلة وآثارها الإيجابية التي أثرت الأبحاث العلمية ودونتها أرقاما في سجل الصحف العالمية؛ حيث ذكرتها آنذاك صحيفة الشرق الأوسط.
وفي غضون تواجدها في المحطة الفضائية الدولية شاركت ريانة البرناوي وعلي القرني في إجراء عدد كبير من التجارب والأبحاث يضيق المقام بذكرها.
نالت البرناوي جوائز وأوسمة، أبرزها :
«جائزة الشاب العصامي» في نسخته الـ12 والذي نظمته إمارة القصيم في مايو/ أيار 2023 حيث تم تكريمها خلال الحفل تعبيراً عن الفخر بوصولها إلى الفضاء.
وفي أبريل/ نيسان 2024 نالت «جائزة صاحبة الرؤية المستقبلية»؛ حيث منحها معهد الشرق الأوسط تلك الجائزة تقديراً لإسهاماتها الفعالة في مجال الفضاء؛ وتعتبر الجائزة الأكبر التي يمنحها المعهد سنويا.
تلك هي ريانة البرناوي.. المرأة السعودية التي صنعت من فيض طموحها مجدا رفيعاً يضاف إلى سجل الحضارة المتفردة التي تعيشها المملكة العربية السعودية.