: آخر تحديث

الشعر الاجتماعي والظواهر المجتمعية

3
3
3

عبدالله الزازان

في الثمانينيات الميلادية، أستأثرت موضوعات وقضايا الشعر الشعبي باهتماماتي، فهيمن الشعر الشعبي على تفكيري في كتاباتي ومقالاتي وأحاديثي وعلاقاتي، ولم يكن هذا التحول بقصد الانفصال عن مرجعيتي الأدبية، وإنما نتج بشكل تلقائي من خلال قراءة نقدية نشرتها عن «شعراء الحريق»، لاقت رغبة من «الجزيرة المسائية»، في أن أكتب عن الشعر الشعبي وقضاياه. حاولت توظيف تجربتي الأدبية والنقدية لدراسة نصوص الشعر الشعبي، من خلال تطبيق مناهج وأساليب النقد الأدبي على الشعر الشعبي، وبخاصة المنهج التاريخي، والنفسي، ولاقت تفاعلاً من الشعراء، وقد تطرقت إلى تلك التجربة في كتاب «مدن الشعر». لم تتوقف علاقتي بالشعر الشعبي عند الدراسات النقدية، وإنما شملت الندوات والأمسيات الأدبية، ففي قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بالرياض، وبالتعاون مع أمانة مدينة الرياض، أدرت ندوات وأمسيات أدبية، كانت من أمتع التجارب التي مررت بها في حياتي الأدبية، وشارك فيها معظم الشعراء الشعبيين، وكان الشاعر الاجتماعي «سليمان العويس» يواظب على حضور تلك الأمسيات، فقد كنت أراه في كل أمسية يختار مكانًا قصيًا في آخر القاعة ينصت للشعر. حرصت في إحدى الأمسيات أن أقدمه ليلقي شيئًا من قصائده، أمسك الميكروفون وقال: «لليل وحشاتٍ يثيرن الإنسان الليل كدّر خاطري واستثارة سويت ما سويت وانشيت قيفان عندي على نظم القوافي جدارة أبني المعاني بضامري بني جدران كلٍ على قدّه يصير افتكاره عدلتهن لين أنبنن تقل ضلعان أصغر بيوتي نابين تقل قارة» كان سليمان العويس شاعرًا مرهف الإحساس، صادق العاطفة، حي الضمير، يملك عزمًا نبيلاً، وروحًا مرهفة، تعتريه مسحة بساطة نفحة مثالية، كان على قناعة بنمط حياته. كان متفوقًا في الشعر بأشكاله وأنواعه وأغراضه، بما فيه شعر المحاورة والرد أو القلطة فشاعت أشعاره، فقد كان شاعرًا واضحًا وصريحًا، أدخل الشعر الاجتماعي على الشعر الشعبي، معتبرًا أن للشعر وظيفة اجتماعية، كان الشعر الاجتماعي مادة شعره، والتي تأتي على شكل مقاطع شعرية قصيرة ينشرها في مجلة اليمامة يصف فيها بعض الظواهر الاجتماعية. والتي قصرها في ذلك الوقت على ما يعرف بـ«العمالة السائبة»، وظاهرة التستر، وتصدى للظاهرتين، وإن كان يحاول أحيانًا أن يمس ظاهرة الترف الاجتماعي، أيام ما يعرف بالطفرة الاقتصادية، كان مهمومًا بالسلوك الاجتماعي، والفراغات الاجتماعية، والتي يرى أنها تحدث أثرًا سلبيًا في المجتمع. كان يرقب التغيرات الفردية أو الاجتماعية، في المجتمع، ويحاول أن يحرك بصره في الأمكنة فإن رأى ما لم تألفه نفسه، قال في ذلك شاعرًا، وإن أبصر تغيرًا بسيطًا لجأ إلى الشعر، فقد كان منشغلاً بتفاصيل الحياة اليومية يحاول أن يضبط حركة الحياة على حركة إيقاع نفسه. ولكن هل على الشاعر أن يتحول إلى مراقب بلدية؟ أو جندي مرور؟ أو عامل لصحة البيئة؟، فقد كان سليمان العويس يوظف موهبته في النقد الاجتماعي الذي لا يتجاوز أدوار البلدية، أو التسول، أو المرور، أو صحة البيئة، أو التستر، أو الغش التجاري يقول: تفكّروا ببيوت شعرٍ مفيدة من كاهلٍ بالشعر عذبٍ مساره ما هو بالأسواق يِجلب قصيدة عفيف نفس ما يدور تجارة الصدق نورٍ ويطلعه من وريده الرجل من نطقه تعرف اقتداره اللي تكلّم له بشيٍ يجيده حطّ النقط فوق الحروف بجداره وجهتها يم المرور بنشيده دورية الشارع ومن بالإدارة كنت أراه في بعض المناسبات الاجتماعية هادئًا صامتًا، يبدو عليه ثقل السنين وحزن داخلي، يختار رغم كبر سنه، أطراف الصفوف، على غير عادة الشعراء الذين يتصدرون المجالس العريضة والصفوف الأولى، ولكنه إذا أنشد تفاعل معه الحضور، ففي إحدى المناسبات الأدبية قدمته؛ فجاء من طرف الصف وأنشد: قال الذي همّه بنفسه حرقها لبداه للأعداء ولا بد الأصداق يذل من كلمةٍ يوصِل سبقها تدور بين الناس وتقاد وتساق بين النذول اللي تحبّل حققها متصيدة في كل فرصة ومنطاق تخرب علي بسمعتي وتعلّقها تصير لي بالكبد ميسم ومخراق دنيا تزارق كل من هو زرقها وإن زرقتني مرتين على ساق طحت بمطيح حالتي من رمتها قام يتوسّل لي بحلال الأعواق كان يزورني بين حين وآخر، وعندما يمتلئ المجلس بالحضور ينشد بعض أشعاره: سبع العلل بالقلب متبطتنتي حزن وأسى وهموم شرح مداها وفراق مع موتت صديقٍ نجتني وغربة وخوة ناس ما أعرف لغاها أركض على الحروه وهي فايتتني من ما معي والاقليل رجاها يظل سليمان العويس شاعرًا قوي اللفظ، سخي المعنى، يتقن نظم الشعر، ولكن هل هذا الشعر الاجتماعي الذي يقوله سليمان العويس، يشابه الشعر الاجتماعي الذي ظهر في العصر العباسي، أو الشعر الاجتماعي الذي نشأ في أسبانيا بالخمسينيات الميلادية، أو في العصر الحديث كشعر معروف الرصافي والزهاوي وحافظ إبراهيم، وحمد العسعوس، وميخائيل نعيمة والجواهري، أيليا أبو ماضي أو شعر تشيكانو المكسيكي أو جورج برناردشو أو بلاس دي أو تيرو، ذلك الشعر الذي يعني بالحياة الاجتماعية والإنسانية، لا أتصور أن هناك تشابهًا، فقد كان سليمان العويس، يركز شعره على الحالات الاجتماعية السالبة التي تحدث في أي مجتمع، والتي لا تلفت انتباه غيره من الشعراء كالتسول أو التستر التجاري أو ما يعرف بالعمالة السائبة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد