لسنوات قاربت الستين، والعمل الخيري يعمل من دون رقابة، وبدفع ذاتي من القائمين عليه، الأقوياء مالاً ونفوذاً سياسياً، لكن سرعان ما اهتدى المحتالون إلى ما في الأمر من إثراء سهل، فاستغلوا ما يتصف به العمل الخيري من توقير، وتسللوا من ثغرات محددة، وحققوا لأنفسهم ثروات هائلة، كما أصبحت أموال بعض الجمعيات وسيلة سهلة لتمويل أنشطة غير قانونية، مع ما صاحبها من منافع حزبية وشخصية للقائمين عليها، وأحكام المحاكم على القلة التي انكشف أمرها ماثلة أمامنا، وقلتهم لم تشكّل إلا نقطة في محيط التلاعب بأموال التبرعات، وآخرها الثلاثة عشر مليون دولار، التي جُمعت لبناء مستشفى في غزة، وغزة بكاملها مدمرة!
كتبتُ عن مثالب العمل الخيري عشرات أو مئات المقالات، ناقداً، وناصحاً، لكن اختار الجميع تجاهل تحذيراتي، حتى أتى عهد حازم، وأنصف، بطريقة غير مباشرة، وجهات نظري ومطالبي.
تم، أخيراً، تشكيل لجنة مؤقتة لتنظيم العمل الخيري، ووضع قانون ينظم عمل جمعياته ومبراته، التي ارتكبت أغلبيتها مخالفات لم يكن من المفترض السكوت عنها. وبحثت اللجنة في اجتماعها الأخير بعض بنود القانون المقترح لتنظيمها، بعد أن تبيّن لها أن نسبة العمل الخيري خارج البلاد تفوق بكثير جداً ما يُصرف على الداخل، وهذا ما كتبنا وحذرنا منه عشرات المرات، والسبب أن ما يُصرف في الداخل مراقب إلى حد ما، وما يُصرف في الخارج لا يخضع لأية رقابة، بشهادة الحكومة، ومن يقول عكس ذلك فهو مدلس.
سيتضمن القانون المقترح بنوداً، تمنع نشر أية إعلانات لجمع التبرعات، خاصةً في الشوارع والطرق، وعلى الإنترنت، من دون موافقة الوزارة.
كما حُددت النسبة، التي سيحصل عليها «العاملون عليها»، بـ 5 %، ويتطلب الأمر الإعلان عنها للمتبرع. كما سيُفرض على الجمعيات والمبرات تعيين مدقق داخلي، وآخر خارجي معتمد من هيئة أسواق المال، وأن يتم تقليل عدد أعضاء مجالس إداراتها، مع حصر عضوية المواطن في جمعية واحدة فقط.
* * *
من واقع خبرتنا الطويلة بدهاليز الجمعيات الخيرية، كوننا من مؤسسي ومديري إحداها، فإنني أطالب بمنع أي نشاط «خيري خارجي» إلا بإشراف حكومي، وعبر منصة موحدة، كما هو معمول به في السعودية، مع ضرورة حصول أعضاء الجمعية ومجلس إدارتها، وإدارتها العليا، على شهادة «خلو سوابق»، وأن تُعامل الجمعيات معاملة أية منشأة تجارية أخرى في ما يتعلق باحتياجاتها من العمالة، لمنع المتاجرة بها.
وألا يكون للجمعية أو المبرة أي نشاط سياسي، أو أن تنشر أو تشارك في نشر بيانات أو إعلانات سياسية، مع فرض عقوبات مشددة على أية مخالفة.
ولا يحق لها تمويل أو دعم أية أنشطة سياسية، حتى مع وجود فتوى من رجل دين تجيز ذلك. ولا يحق للجمعية أو المبرة الخيرية إصدار مجلة أو صحيفة أو نشرة سياسية.
كما لا يحق للجمعية تلقي أموال أو تبرعات من أية جهة حكومية، أو من المال العام، أو من جهات خارجية. وعليها نشر موازناتها السنوية في صحيفتين يوميتين على الأقل.
كما يكون عمل رئيس الجمعية وبقية الأعضاء دون مقابل، ويجب منع تأسيس أية جمعيات جديدة، إذا كانت أنشطتها تشابه أنشطة جمعية قائمة، مع قصر مدة مجلس إدارة الجمعية على أربع سنوات، قابلة للتجديد لفترة واحدة فقط.
كما لا يجوز لمجالس إداراتها استثمار أموالها في أية أنشطة مدرة، بخلاف الوديعة البنكية.
وأخيراً، لا يجوز للجمعية قصر عضوية مجلس إدارتها أو عمالتها على فئات محددة، قبلياً أو مذهبياً.
أحمد الصراف