خيرالله خيرالله
منذ توقيع الاتفاق السعودي – الإيراني، الذي رعته الصين في العاشر من مارس 2023، والذي تحدث عن «احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية»، بقي سؤال أساسي عالقاً. يرتبط هذا السؤال برؤية «الجمهورية الإسلاميّة» للدول الأخرى في المنطقة ووجود حدود معترف بها دولياً لهذه الدول. يرتبط هذا السؤال أيضاً بما إذا كان الهدف الإيراني من وراء توقيع الاتفاق في العاصمة الصينية بكين (بيجينغ) محصوراً بالعلاقة بين المملكة و«الجمهورية الإسلاميّة» وبوقف الهجمات التي تشنها أداة إيرانية اسمها «جماعة أنصار الله» (الحوثيون) من الأراضي اليمنية.
جاءت الزيارة المفصلية للأمير خالد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي الأخيرة لطهران كي تضع النقاط على الحروف في وقت يبدو أن على كبار المسؤولين الإيرانيين سماع ما عليهم سماعه في ضوء قرار إدارة دونالد ترامب الحؤول دون حصول «الجمهوريّة الإسلاميّة» على السلاح النووي.
لعلّ أول ما على كبار المسؤولين الإيرانيين، سماعه أن العالم تغيّر، كذلك المنطقة كلّها. ليس أمام إيران غير التكيّف مع المعطيات الإقليمية الجديدة التي ولدت من رحم «طوفان الأقصى»، وهو الهجوم الذي شنته «حماس» من قطاع غزّة على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.
سيكون على «الجمهوريّة الإسلاميّة»، عاجلاً أم آجلاً، التزام عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى كما نصّ على ذلك الاتفاق الذي وقعته قبل ما يزيد على سنتين مع السعودية. سيكون على طهران التخلي عن فكرة إزالة الحدود بين العراق وإيران وبين العراق وسوريا وبين سوريا ولبنان. سيكون عليها أيضاً التخلي عن طموح «الحرس الثوري» إلى إزالة الحدود بين جنوب سوريا والأردن كي يسهل تهريب الكبتاغون والمخدرات بأنواعها المختلفة... والأسلحة إلى دول الخليج العربي عبر المملكة الهاشمية.
هناك أسئلة كثيرة باتت غائبة. ومن بينها تفاصيل الوضع اللبناني وما إذا كان «حزب الله» سيتخلى أخيراً عن سلاحه؟ ليس أمام الحزب سوى التخلي عن سلاحه بغض النظر عن النبرة العالية التي يعتمدها عدد من قادته الذين يرفضون أخذ العلم بمعنى الهزيمة الساحقة التي مني بها والمأساة التي لحقت بأهل الجنوب اللبناني، خصوصاً أبناء القرى القريبة من الحدود مع إسرائيل.
كانت «الجمهوريّة الإسلاميّة» في ايران تعتقد أن من حقها تغيير خريطة المنطقة والتوازنات السياسية فيها والتركيبة الدمغرافية في دول معيّنة، هي العراق وسوريا ولبنان واليمن حيث بات «الحرس الثوري»، عبر الحوثيين، يسيطر على جزء كبير من اليمن الشمالي. يشمل ذلك صنعاء وميناء الحديدة، الذي يعتبر الميناء اليمني الأكبر على البحر الأحمر.
قضت خسارة إيران لكل الحروب التي خاضتها على هامش «طوفان الأقصى» على كل الطموحات الإيرانية، بما في ذلك الرهان على «حزب الله». كانت الضربة الكبرى لإيران في سوريا حيث فقدت خدمات النظام العلوي الذي لم يتردد في دعمها يوماً. كان النظام الذي وقف على رأسه حافظ الأسد الحليف الأول لإيران في الحرب التي خاضتها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي.
منذ اللحظة الأولى للتحوّل الكبير الذي حدث في ايران في العام 1979 مع سقوط نظام الشاه، بحسناته وسيئاته، كانت طموحات القيادة الإيرانية تتجاوز حدود بلدها. كانت طموحات أكبر بكثير من طموحات الشاه الذي سعى إلى السيطرة على البحرين واحتل الجزر الإماراتية الثلاث، أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، في العام 1971. لم يختلف نظام «الجمهوريّة الإسلاميّة» عن نظام الشاه في شيء باستثناء أن طموحاته كانت أكبر وأكثر اتساعاً.
جاءت زيارة الأمير خالد بن سلمان، الذي التقى في طهران علي خامنئي، كما التقى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وقادة عسكريين لتفتح مرحلة جديدة في العلاقة بين البلدين. عنوان المرحلة الجديدة التزام «الجمهوريّة الإسلاميّة» الاتفاق الموقع مع السعوديّة، خصوصاً البند المتعلق بـ«عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى». توجد منطقة جديدة ولدت من رحم «طوفان الأقصى» الذي أدى إلى مرحلة مخاض على الصعيد الإقليمي. يشمل المخاض إيران نفسها التي تواجه تحدياً من نوع جديد يتمثل في ما إذا كانت ستتخلى نهائياً عن مشروعها النووي نعم أم لا؟
لا شكّ أنّ هناك خلافات أميركية – إسرائيلية في شأن كيفية التعاطي مع إيران، لكنّ هناك أمراً لا يمكن أن يكون إي شكّ فيه. يمثل هذا الأمر في أنّه غير مسموح لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة» بامتلاك السلاح النووي من جهة وعليها التوقف عن استخدام أذرعتها في المنطقة وتطوير الصواريخ والمسيرات من جهة أخرى.
قد تكون تلك النصيحة التي حملها وزير الدفاع السعودي الذي تبدو زيارته المفصلية لطهران، أقلّه من ناحية توقيتها، مكملة للمفاوضات الإيرانية – الأميركية التي بدأت في مسقط!