أحمد محمد الشحي
إن عجلة التحديات التي تواجه الأوطان والمجتمعات لا تتوقف، وتلبس من الأثواب أقنعة جديدة مع تجدد الوسائل واختلافها، ويلجأ أصحابها إلى أساليب متعددة، من تضليل إعلامي.
وتحريض إلكتروني، وشائعات مغرضة، وحملات تشويه منظمة، وهنا يأتي دور الأقلام الوطنية لتواكب هذه التحديات، وتكون حاضرة بفاعلية في كل ميدان، تذود عن حمى الوطن.
وتدفع عنه سهام المغرضين والمتربصين، وتكشف أكاذيبهم وزيف ادعاءاتهم بالحجج والبراهين الساطعة، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو الجديدة أو غيرها، متحلية في ذلك كله بالوعي والإدراك والمسؤولية والإيمان العميق بدورها السامي في معركة الأقلام التي لا تقل خطورة عن أي معركة أخرى.
إن الكلمة والصورة اليوم من أمضى أسلحة الوقت، وخصوصاً في عصر الفضاء الإلكتروني الذي تزداد سماواته انفتاحاً يوماً بعد يوم، ما يجعل المسؤولية الملقاة على عاتق أصحاب الأقلام الوطنية أكبر، ويحتم عليهم أن يكونوا في الصفوف الأولى، يشكلون سوراً منيعاً أمام موجات الحقد والكراهية والكلمات المسمومة، التي تستهدف العقول والنفوس.
وتتنوع جهودهم في هذا المضمار، فيعززون الوعي الوطني، وينشرون المعلومة الصحيحة، والخبر الموثوق، والتحليل الصائب، والرأي الحكيم، والفكر الراقي، والقيم المثلى، ويعبرون عن وطنهم أحسن تعبير، بسمو أخلاقهم، ورقي أفكارهم، وإيجابية كلامهم، وقوة ردودهم، وتكاتفهم كالبنيان المرصوص.
والناظر اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال يجد أن معركة الأقلام والمحتوى الرقمي لا تهدأ رحاها، وتتطلب يقظة دائمة، خصوصاً مع استغلال التيارات المتطرفة وأصحاب التوجهات المعادية لهذه المواقع في التحريض والتأليب.
ومحاولة استقطاب الرأي العام في هذا الاتجاه أو ذاك، وهنا تتنوع الاستراتيجيات اللازمة لمواجهة هذه الحملات والهجمات، ابتداء من الإعراض والحظر للشخصيات الوهمية أو ضعيفة التأثير، وانتهاء بتفنيد منهجي للشخصيات المؤثرة والخطيرة، والحرص على إنتاج محتوى جذاب ومقنع يخاطب مختلف الشرائح المجتمعية بالأسلوب الأنسب.
ولا شك في أن هذا الدور المنوط بالأقلام الوطنية يتطلب جهوداً تكاملية فيما بينهم، متحلين في ذلك برؤية وطنية موحدة، تجعل مصلحة الوطن البوصلة الأساس في كتاباتهم ومحتوياتهم، حريصين على التفاعل الذكي مع الأجيال الجديدة، بلغة رقمية يفهمونها.
وأساليب إبداعية تجذبهم، وخصوصاً تجاه من هم أكثر عرضة للتأثر بالدعايات المسمومة، فتكون لكلمتهم صدى واسعاً، ولمنشورهم تأثيراً بالغاً، وفي هذا الميزان تطيش منشورات الحاقدين، وتتلاشى فقاعات الزيف والبهتان التي ينشرونها، فلا يبقى في موازين طلاب الحقيقة إلا الكلمة الصادقة التي تبني ولا تهدم، وتنصف ولا تجور، وتجمع ولا تفرق.
كما يأتي هنا دور التخصص العلمي والفني، بأن يساهم كل قلم بما هو متخصص فيه، ليسد بذلك هذه الثغرة بما يمتلكه من أدوات معرفية متمكنة، سواء كان في المجال الثقافي أو الاجتماعي أو القانوني أو الشرعي أو غير ذلك.
وهكذا تتضافر الجهود وتتكامل الرؤى المتخصصة في تشكيل لُحمة وطنية واحدة، يصطف كل من فيها صفاً واحداً خلف راية الوطن، كلٌّ في موقعه، وبما يمتلك من مهارات، ليؤدي دوره بكل اقتدار.
ولا يمكن لهذه الأدوار أن تحقق أهدافها بفاعلية إلا بمتابعة مستمرة لمجريات التحديات، بما في ذلك رصد حملات الاستهداف المتجددة ضد الأوطان على اختلاف من يطلقها واختلاف مقاصدهم وغاياتهم، وتحليل جيد لمحتوى تلك الحملات وأساليبها ومصادرها.
والذي يقترن بالقدرة الفعالة على تفكيكها، ووضع استراتيجيات استباقية تحصن منها، لتنتقل الأقلام الوطنية بذلك من موقع ردة الفعل إلى موقع الفعل المؤثر والمبادر، ومن العلاج إلى الوقاية والتحصين، ومن الرصد الآني إلى استشراف المتوقع وسد الطريق أمام المتربصين.
وما ينبغي أن تحرص عليه الأقلام الوطنية إبراز منجزات الدولة وقيادتها، والرد على كل من يحاول تشويه هذه الصورة أو الانتقاص منها، واستثمار أدوات العصر في إيصال هذه الصورة المشرقة في كل وقت وآن، سواء عبر نص كتابي مميز، أو فيديو مؤثر، أو بودكاست هادف، لتبقى حاضرة في كل ميدان، في الوقت الذي يعمل فيه المعادون على استغلال هذه الأدوات وتوظيفها لخدمة أجنداتهم السلبية.
إن الأقلام الوطنية صمام أمان، وجدار منيع أمام المشوهين والمحرضين، بما يحملونه من وعي وطني، وإحساس عالٍ بالمسؤولية، ليكونوا بذلك قدوات ملهمة في مسيرة بناء الأوطان وتعزيز تنميتها واستقرارها.