: آخر تحديث

بين علم الحديث وعلم الأركيولوجيا!

2
3
3

محمد ناصر العطوان

إن علم الحديث هو المعيار الثابت كالجبل والمكتوب بقلم متصل منذ أكثر من 1400 عام، والذي يرد على كل متشكك في حصول أحداث من عدمها، أو وجود شخصيات من عدمها، أو عقيدة صحيحة من عدمها، أو طريقة صحيحة من عدمها... إنه ثقافة الأمة الإسلامية في كيفية التعامل مع أغلى ما تملك من الحكمة والنور الذي قيل على لسان وأفعال صاحب الخلق العظيم الساجد تحت عرش ربه، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولا ينبغي أن نستورد أفكاراً كالطعم في كل مرة، أنه طبقاً لعلم الأركيولوجيا، فإن فلاناً وفلاناً غير موجودين تاريخياً، وطبقاً لعلم الأركيولوجيا فإن هذا الحدث وذاك لم يحدث، لم يحدث هذا وذاك... وهكذا دواليك حتى يفتت الدِّين حجراً حجراً، وينبغي التذكير بأن هذه المقاربة الأركيولوجية التي يتبناها وينشرها مثقفون وكُتاب هي مقاربة سطحية في التعامل مع الصراع الموجود في منطقة الشرق الأوسط.

إن الجهود التي قام بها علماء الحديث، ليست على مستوى التخصص في العلم، ولكن على مستوى أدوات الفحص والتدقيق والنقد التي تركوها، والأرشيف الضخم لكل من نطق حرفاً في الدين، والذاكرة والثقافة المجتمعية المنقولة بأسانيد ذهبية وسلاسل بشرية تم توثيق أسمائها وأفعالها وأخلاقها وأين عاشوا وأين ماتوا، وتصنيفهم فما بين «كذاب متروك» وصولاً إلى «أمير المؤمنين في الحديث»، كل ذلك وأكثر هي أدوات لا يملكها ولا يقدر عليها علم الأركيولوجيا... فعن أي معايير أركيولوجية تتحدثون؟ وما كان الله ليضيع دينه في عنعنات أو قلقلات وقال فلان عن فلان، دون أن يصطفى من عباده من يحفظه.

عزيزي القارئ، مع وصولك معي لهذا السطر، فهذا يعني أنني انتهيت مما أريد قوله، فيمكن لك أن تقوم إلى عملك أو حاجتك... فالقادم من المقال سيكون جلسة خاصة على الورق مباشرة مع الكاتب الكبير المستشهد بعلم الأركيولوجيا على تاريخنا، وأن فلاناً وفلاناً غير موجودين أصلاً!

إذا كان علمُ الآثار (الأركيولوجيا) يقرأ التاريخ من خلال الحجر والتراب، فإن علمَ الحديث يقرؤه من خلال الكلمة والروح، وإذا كان الأول يعيد تركيب الماضي وحقيقته عبر شظايا مادية قد تكون صحناً وقد تكون مرحاضاً، فإن الثاني ينقل الماضي بحيويته عبر سلسلة بشرية صادقة متصلة، كالشمس تُمرِّر نورَها إلى القمر، فيضيء للأرض دربها.

هنا تكمن المعجزة: أن يكون النص الإسلامي -بسندِه ومتنِه- أكثر صدقاً من الحجر، أصدق شاهد على التاريخ، وأوثق مرجع للحقيقة وأدق من حقيقة الصحن والمرحاض، في زمن يحاول البعض اختزال وجود الأمم في حفرياتٍ مادية ناقصة!

لا ننكر قيمة علم الآثار في كشف آثار الأمم، ولا ننكر أيضاً أن العلم يستخدم كسلاح، لكن الخطر يكمن في تحويله إلى أداة استعمارية جديدة تُفتِّت الدين والهوية حجراً حجراً، فهاهم بعض المستشرقين وأتباعهم يرفعون شعار «لا دليل أثرياً على معركة بدر»... هذه المقاربة السطحية ليست بريئة؛ إنها جزء من حرب تشن على الذاكرة الجمعية للمسلمين في الشرق الأوسط، لتبدل تاريخهم الواضح بروايات ملغمة بالشك.

يا أستاذي العزيز! إن علمَ الحديث قد وثَّق حتى اتجاهاتِ الرياح في غزوة الأحزاب، ووثق عدد شعرات الشيب في رأس ولحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بينما ضاعت تفاصيلُ معاركَ كبرى في حضارات أخرى، وضاعت حضارات بكاملها لم تسمع عنها ذكرى... فبأي معايير أركيولوجية تتحدَّثون؟! أيُّ حجر يضاهي دقةَ هذا الأرشيف البشري الصادق؟! وأيُّ نقش حجري يساوي وثاقةَ سندٍ متصلٍ إلى النبي ﷺ... وكل ما لم يذُكر فيه اسم الله... أبتر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد