: آخر تحديث

كلنا صالحون

0
0
0

سارة النومس

مشهد «تمثيلي» لمحامٍ يعترف بفساده وفساد الجميع بحق الإنسانية، في كلمات سددت سكاكين الواقع في قلوبنا الصامتة، والتي تعمل لسنوات على إخفاء أخطاء ارتكبناها في فترة زمنية وفي لحظات ضعف لا نستطيع نسيانها، على الرغم من فلسفتنا الدينية والاجتماعية التي تحثّ على التوبة ونسيان الخطأ والمضي في الحياة دون رجوع للخطأ أو الذنب، وإصلاح النفس وتقويمها.

تحدثت صديقتي عن شخصية لا تطيقها، وقالت: لقد قال لي فلان: إن هذا الشخص الذي يدفع أموالاً طائلة طوال العام ليلمع صورته ويدعي الشرف والأصالة، هذا الشخص لا يمنع نفسه من معاكسة أي فتاة تمر في طريقه دون شعور بنفسه أو خوف من أقاويل الآخرين.

عقّبتُ على كلامها بأنه ربما تكون هذه إشاعات، الغرض منها النيل منه، وحتى إن كان ما يقوله حقيقياً، فإن هذا الرجل يعيش إنسانيته الطبيعية المليئة بالأخطاء، فهو أمر طبيعي لا بأس به، الأمر غير الطبيعي هو تكراره وزيادته كلما تقدّم به العمر وملأت التجاعيد وجهه، هنا ننصحه بمراجعة طبيب نفسي، والأمر هو حرصه على الإساءة للآخرين والبحث في عيوبهم والتحدث عنهم بسوء بهدف تلميع صورته وإظهار نفسه على أنه الشخص النبيل المحترم في المجتمع.

نحن نرتكب أخطاء كثيرة، وقد تنسى الناس حقاً تلك الأخطاء مع مرور الوقت، لكنها تستعين بها للابتزاز أحياناً، وربما تستعين بها لتذكير الشخص بسطحيته، وذلك عندما يرتقي هذا الشخص لمناصب عليا، فينسى حينها أنه كان إنساناً عادياً يوماً ما، ويبدأ بالإساءة للآخرين واستغلال مكانته لتصغير منافسيه.

لقد حرص أحمد زكي، في مرافعته في فيلم «ضد الحكومة» على إظهار كلمته: كلنا فاسدون، والتي لها أبعاد سياسية واجتماعية عدة، إلا أنها تحمل في طياتها حقيقة واحدة؛ هي أننا جميعاً أناس طبيعيون نرتكب الأخطاء والذنوب، وقد نعيد حساباتنا ونتوب ونتحمّل نتيجة ذلك الخطأ، أو نستره وندفنه ونعيش حياتنا طبيعية، أو نكابر ونستمر في ارتكابها، خصوصاً إذا لم نجد رادعاً دينياً أو قانونياً أو حتى اجتماعياً يبين لنا سوء تلك الأفعال التي ارتكبناها.

إن أسوأ الناس في نظري هم الذي يطمسون أخطاءهم، ويدفعون أموالاً كثيرة لدعايات وإعلانات تظهر مدى نظافتهم وطهارتهم، والجميل في الموضوع أن الناس تصدقهم، فهو منوم مغناطيسي فعّال، ما إن تقع شخصية ما ضحية ابتزاز عاطفي بفتح ملفات قديمة مليئة بالفضائح، أو قضية فساد اتُّهِمت بها، أو حتى عند علم الناس بأنه شخص يعتدي على الآخرين أو على أُسرته، حتى يقع الناس في صدمة عاطفية شديدة، تجعل بعضاً من الناس ينكر ذلك، بل ويجعل من المستحيل أن تكون الشخصية تلك مخطئة أو ترتكب خطأ ما كهذا.

المجتمع والتربية والقصص والأفلام والروايات التي يعيشها أبطال نحبهم، علمتنا أن الإنسان يجب أن يكون مثالياً وكاملاً في حياته، وأنّ من يخطئ هو شخص شرير غير محبوب.

اعترف بخطئك واحتفظ به لنفسك، استرْه وقوّمْ نفسك، لا تلمها كثيراً، والأهم لا تبتز الناس بأخطائها كي تبعد الأنظار عنك...


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد