: آخر تحديث

سمنا المفضل (1)

1
1
1

عبد الله سليمان الطليان

في مقال نشر في مجلة Discover عدد مارس عام 2005 بهذا (العنوان) نقتطف الجزء المهم منه. وهو أن هناك حقيقة لا جدال فيها : إن الزئبق mercury مادة سامة وخطيرة بصورة لا تصدق.. فنقطة واحدة منه على اليد البشرية قد تكون مميتة، كما أن قطرة واحدة منه في بحيرة ضخمة تجعل كل السمك الموجود فيها غير مأمون أكله.

لقد أصبح من المكونات الشائعة للطلاء ومدرات البول diuretics، ومبيدات الهوام pesticides، والبطاريات والمصابيح الفلورسنتية، وكريمات الجلد، والأدوية المضادة للفطريات واللقاحات التي تعطى للأطفال وموازين الحرارة، بطبيعة الحال. وربما كان بعضه موجودا في فمك الآن: فحشوة الأسنان المسماة بالفضية تحتوي - في الحقيقة - على 50 % من الزئبق.

والزئبق كذلك من النواتج الثانوية للعديد من العمليات الصناعية؛ ففي الولايات المتحدة تضخ محطات الكهرباء التي تدار بالفحم وحدها نحو 50 طناً من الزئبق في الهواء سنوياً. ويتحول هذا الزئبق إلى أمطار تهطل من السماء على المحيطات والبحيرات والأنهار والجداول المائية، حيث تتركز في لحوم الأسماك، والمحار، وكلاب البحر والحيتان. وقد ذكرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) العام الماضي أن هناك الكثير من الزئبق في البحر لدرجة يجب معها على النساء في سن الإنجاب أن يقيدن استهلاكهن من أسماك المحيطات الكبيرة إلى الحد الأدنى.

لكن هذا التحذير أتى متأخراً للغاية بالنسبة لكثير من الأمهات. وقد أظهر بحث شمل الولايات المتحدة كافة أجرته مراكز مكافحة الأمراض CDC). أن واحدة من كل 12 امرأة في سن الإنجاب لديها بالفعل مستويات غير آمنة من الزئبق في الدم، وأن نحو 600 ألف رضيع في الولايات المتحدة قد يكونوا معرضين للخطر.

أصيب الأطفال المولدون للأمهات المصابات بتلوث الزئبق في منطقة خليج ميناماتا Minamata الياباني في العام 1956 بإعاقات عصبية وخيمة تشمل الصمم والعمى، والتخلف العقلي، والشلل الدماغي: أما في بعض البالغين، فمن الممكن أن يؤدي التسمم بالزئبق إلى التنمل، والتعثر، والخرف، والوفاة .

يقول عالم السموم الآن ستيرن Stern، وهو أحد المشاركين في تقرير أصدره في العام 2000 المجلس الوطني للبحوث (NRCعن سمية الزئبق ليس سرا أن أقول إن التعرض للزئبق بالغ السمية. لكن التعرض المستوى عالي مثل تلك التي وقعت في ميناماتا لا يمكنها مساعدة العلماء على تحديد ما إن كان وجود ست حشوات فضية في أسنانك، إضافة إلى تناول شطيرة أسبوعياً من سلطة التونة ستصيبك بالتسمم أو تسمم جنيناً لم يولد بعد. يقول ستيرن السؤال الأهم هو ما تأثيرات التعرض المنخفض المستوى؟».

تشير البيانات المتوفرة حاليا إلى أن التأثيرات السامة قد تظهر عند مستويات أقل مما قد يتوقعه الجميع، وتظهر بعض الدراسات أن الأطفال الذين تعرضوا لكميات ضئيلة من الزئبق في الرحم لديهم منعكسات أبطأ، وإعاقات لغوية، إضافة إلى قصر فترات الانتباه، وفي البالغين تظهر الدراسات الحديثة وجود رابطة محتملة بين أمراض القلب وابتلاع الزئبق نتيجة لتناول الأسماك، وتدعي مجموعات بحثية أخرى أن التعرض للزئبق مسؤول عن الإصابة بمرض باركنسون (الشلل الرعاش، والتصلب المتعدد، ومرض الزهايمر، وارتفاع معدلات الإصابة autism بالتوحد أما كيف - وبأية صورة - يحدث الزئبق ضرره السام، فلا يزال غير معروف على وجه التحديد، ومع ذلك، يتفق العلماء وصناع السياسات على أن المزيد من تنظيم استعماله أمر حتمي، وقد انتهت وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) لوضع اللمسات الأخيرة على قانونها الأول المثير للجدل بخصوص تقليص انبعاثات الزئبق من محطات الطاقة في شهر مارس 2005 كما اجتمع مندوبون من برنامج الأمم المتحدة البيئي في أواخر فبراير من العام نفسه لمناقشة إيجاد إجماع دولي للحد من استخدام الزئبق وانبعاثاته قبل عقد من الزمن، اتفق الباحثون والمشرعون على أن الرصاص، وهو معدن ثقيل آخر، يضر بصحة الأطفال عند مستويات تبلغ سدس ما كان يعتقد في السابق، لكن العلماء احتاجوا إلى عقود لكي يتعرفوا بالتحديد على المجال والمستوى المنخفض للتسمم بالرصاص. ويعد الزئبق اليوم ملوثاً كليا للوجود .


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد