: آخر تحديث

المقتلة الغزاوية

3
3
3

محمد الرميحي

كثير من العواطف الجياشة تذهب، خصوصاً في هذه الأيام الفضيلة، تجاه معاناة أهل غزة، ويبدو أن آلة القتل لن تتوقف أو تتوقف على أن تعود، ليس النقاش هنا في إطار شرح صلف الإسرائيلي وإسرافه في القتل، النقاش يذهب إلى مكانين، الأول أن التأييد الدولي لما تفعل إسرائيل هو الأكثر ميلاً لمناصرتها، والقصد هنا هو التأييد الأمريكي، لأنه الأكثر قدرة على التأثير، وأما الممانعة الأوروبية فهي ممانعة لفظية، وحتى الشارع الغربي تم استيلاء السردية الإسرائيلية عليه، والمكان الثاني هو مصارحة قادة «حماس».

ربما هذا الصراع الدائر يختلف عن الصراعات الإنسانية في الكثير من العناصر، لعل أهمها العنصر التاريخي - الإنساني، وهو وجود اليهود في أوروبا وبعض بلاد الشرق المسيحية، والموقف السلبي لآلاف السنين ضدهم، وليس المقام هنا تفسير ذلك السلوك، ولكنه يرجع إلى فترة قاتمة من التاريخ البشري، أفضل من صوره هو شكسبير في مسرحية «تاجر البندقية»، وهذا العداء استمر إلى بداية وربما منتصف القرن العشرين عندما تعرض يهود ألمانيا وما جاورها إلى ممارسات عنصرية، وعلى الرغم من أن العنصر السلافي في هذه الفترة قد عانى نفس وربما أكثر مما عاناه اليهود في ألمانيا النازية، إلا أن الحديث عن معاناة اليهود كان الأكثر انتشاراً.

في عام 1924 صدر قانون للهجرة في الولايات المتحدة، وكان مخصصاً لعدم استقبال غير البيض واليهود، بل حتى في ثلاثينات القرن الماضي، وصلت باخرة تقل يهوداً من ألمانيا إلى ميناء نيويورك فلم تتمكن من إنزال ركابها.

القصد هنا أن الدعوة الصهيونية استطاعت من خلال العلم والمثابرة، ولكن العلم أهم، أن تتسق مع الدعوة الليبرالية التي اجتاحت الغرب في النصف الأول من القرن العشرين، وكان العلم الحديث هو الأداة الفعالية في جعل المجتمعات الغربية تقبل، ومن ثم تتبنى الدعوة الصهيونية.

خلال ثلاثة أرباع القرن الماضي نجد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد نمت في داخلها مشاركة الأمريكان من الديانة اليهودية، من أيزنهاور إلى بايدن، من عدد قليل جداً إلى عدد أكبر بكثير حتى من نسبتهم في المجتمع الأمريكي، وعندما تحول المجتمع السياسي الأمريكي من الليبرالية الديمقراطية إلى اللا ليبرالية الديمقراطية، تحولت الحركة الصهيونية معه.

ماذا تعني هذه المقدمة المختصرة؟ تعني أولاً فهم الأوضاع العالمية ومكامن القوة على حقيقتها والتكيف معها، والثاني الاعتماد على العلم لا على الخرافة في تحقيق المصالح. على الجانب الآخر فإن «حماس» في غزة أو في غيرها من المناطق الجغرافية، تعتمد على التراث والعواطف، وترفض الترجل عن ذلك الحصان الذي كان مفيداً في عصور خلت، وتستخدم أحصنة حديثة.

بعد مقتل الآلاف من أهل فلسطين في غزة، ما زالت «حماس» تقدم الذرائع لإكمال المقتلة، سواء في غزة أو في بعض مدن الضفة، وترسل بضعة صواريخ عمياء، لا تصيب أحداً، أو يرسل لها الحوثي من جنوب الجزيرة صواريخ أخرى عمياء تُعترض أو لا تصيب أحداً، لكنها تفجر ردة فعل يستفيد منها الطرف الآخر في تبرير استمرار القتل، كما أن استعراض تسليم بعض الرهائن إنسانياً كان مستهجناً من العالم.

لقد آن الوقت أن يقال لقيادة «حماس» أن تترجل من المشهد، لقد خسرت وخسّرت شعباً بكامله جولة من الصراع، اعتماداً على مقولات خارج العصر، فأفضل خدمة تقدمها للقضية هي أولاً إطلاق سراح المعتقلين، والخروج من إدارة القطاع، لعل الأمر يمكن ترميمه بعد ذلك لوقف هذه المقتلة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد