: آخر تحديث

بين تخبط الغزالي وغلط خلف الله الفاحش

7
7
6

تخبط محمد الغزالي الأخير في دفع تقرير محمد أحمد خلف الله بأن سيد قطب كان له الدور المهم في حياة جماعة الإخوان المسلمين، هو قوله: «ولكن القول بأنه صانع أفكارها باطل. والصحيح أنه أنشأ فكراً جديداً، وجد مساراً له بين نفر من الإخوان وغيرهم في ظروف سياسية واجتماعية معقدة، وقد رفض حسن الهضيبي، المرشد الثاني للإخوان، هذا الفكر ومضاعفاته، وكتب ضده، كما رفضه كثير من العلماء المنضمين إلى الإخوان».

التخبط هنا أنه قوّل خلف الله ما لم يقل في بحثه. فخلف الله لم يقل في بحثه إن سيد قطب «صانع» أفكار الجماعة.

إنه رأى أن سيد قطب لعب دورين في حياة الجماعة: دوراً تقليدياً، ودوراً تجديدياً ثورياً. الدور التقليدي هو الاستمرار في الأعمال التي كان يقوم بها عبد القادر عودة من قبل. واعتبر إضافات سيد في هذا الدور استمراراً للدور التقليدي الذي لعبه.

أما الدور التجديدي الثوري فحدد معالمه بأن سيداً لعبه استجابة لظروف عاشها، دفعت به إلى اتخاذ موقف جديد من الحكومة، وكان موقفاً ثورياً، وأن ثمة مؤثرات ثقافية دفعت بفكره إلى آفاق جديدة غيرت من البنية المعنوية لأفكار الجماعات الدينية. وأنه قد ترتب على ذلك تفرّع الجماعة إلى فروع، عرف كل فرع منها باسم خاص به. وقيام بعض الفروع بالعمل في سبيل الصحوة الإسلامية.

المؤثرات الثقافية حددها بنوعين من الفكر: «نوع هو الفكر الإسلامي الناشئ في الهند وباكستان، والذي يمثله عند سيد قطب المفكران الإسلاميان: أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي. وهذان المفكران لم يؤثرا في سيد قطب فقط، وإنما أثّرا في جبهة عريضة من جبهات البلدان الإسلامية، لكن سيد قطب هو الذي نقل إلى العربية كتاب أبي الحسن الندوي (ماذا خسر العالم بتخلف المسلمين؟)، وهو الذي تأثر بهذا الكتاب إلى أبعد حد عندما كتب كتبه التي من أشهرها (المستقبل لهذا الدين)، (معالم في الطريق)، (خصائص التصور الإسلامي ومقوماته). أما النوع الآخر من المؤثرات، فهو الفكر الذي جاءت به الحضارة الغربية، والذي يمثله عند سيد قطب المفكر الغربي ألكسيس كاريل صاحب كتاب (الإنسان ذلك المجهول). وأثر هذا المفكر وهذا الكتاب واضح جداً في الكتاب الذي كتبه سيد قطب تحت عنوان (الإسلام ومشكلات الحضارة)».

تلقى سيد قطب المؤثرات الإسلامية الأصولية أول الأمر، وذلك قبل أن يتعرف على فكر أبي الأعلى المودودي وفكر الندوي، من كتاب محمد أسد (الإسلام على مفترق الطريق)، وكتاب مولاي محمد علي (الإسلام والنظام العالمي الجديد)، في أثناء عمله على إعداد وكتابة كتابه الإسلامي الأول (العدالة الاجتماعية في الإسلام) الذي صدر عام 1949. ففي كتابه هذا، تأثر بذينك الكتابين تأثراً كبيراً، وقد أطلَّ تأثره بهما في أكثر من كتاب لاحق له.

تعرف قطب على فكر المودودي ابتداء من عام 1950، وذلك من خلال رسائله التي ترجمت من الأردية إلى العربية، ونشرت بالقاهرة ابتداء من هذا العام. وتعرف على فكر الندوي من خلال الطبعة الأولى لكتابه (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟) الذي طبعته لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة عام 1950، وتعرف على فكره أكثر من خلال رسائله القصيرة التي حملها معه من الهند إلى الحجاز إلى مصر، ومن خلال رسائل أخرى طبعها وهو في القاهرة.

كان يجدر بالغزالي عوضاً عن أن يغرق تعقيبه على بحث خلف الله (الصحوة الإسلامية في مصر) بتخبطات ومغالطات، أن يصحح لخلف الله غلطاً فاحشاً وقع فيه بحثه من وجوه عدة. وكان في متناوله أن يقوّم غلط خلف الله الفاحش بالتصحيح.

سيد قطب لم يترجم أي كتاب وأي مقالة إلى العربية، لا من الإنجليزية، ولا من أي لغة أخرى، كاللغة الأوردية، لغة الندوي الأم. ومعرفة قطب بالإنجليزية بعد عودته من بعثته إلى أميركا كانت معرفة محدودة وبسيطة، لا تمكنه من القراءة بها، فضلاً عن أن يترجم منها إلى العربية كتاباً أو مقالة.

الكتاب اسمه (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟) وليس (ماذا خسر العالم بتخلف المسلمين؟). والكتاب ألّفه صاحبه الهندي، باللغة العربية وليس باللغة الإنجليزية أو بلغة الأردو.

طبعة الكتاب الثانية صدرت عن جماعة الأزهر للنشر والتأليف عام 1951، وكان المزيد فيها كتابة محمد يوسف موسى وسيد قطب وأحمد الشرباصي مقدمات لهذه الطبعة. سيد قطب قال في السطور الأخيرة من مقدمته: «وأنا مغتبط بهذه الفرصة التي أتاحت لي أن أطلع عليه في العربية، اللغة التي آثر صاحبه أن يكتب بها».

قطب الذي كان قد قرأ الكتاب في طبعته الأولى، طبعة عام 1950، وتعرف على المعنى الجديد لكلمة «الجاهلية» المستعملة في الكتاب، قال في مقدمته للطبعة الثانية منه عن هذه الكلمة: «ولعل ما يلفت النظر تعبير المؤلف دائماً عن النكسة التي حاقت البشرية كلها منذ أن عجز المسلمون عن القيادة بكلمة (الجاهلية). وهو تعبير دقيق الدلالة على فهم المؤلف للفارق الأصيل بين روح الإسلام، والروح المادي الذي سيطر على العالم قبله، ويسيطر عليه اليوم بعد تخلي الإسلام عن القيادة... إنها (الجاهلية) في طبيعتها الأصيلة، فالجاهلية ليست فترة من الزمن محدودة، ولكنها طابع روحي وعقلي معين، طابع يبرز بمجرد أن تسقط القيم الأساسية للحياة البشرية كما أرادها الله، وتحل محلها قيم مصطنعة تستند إلى الشهوات الطارئة، وهذا ما تعانيه البشرية اليوم في حالة الارتقاء الأولى، كما كانت تعانيه من قبل أيام البربرية الأولى».

إن أهمية هذا المقتبس من مقدمة سيد قطب للكتاب، أن سيد قطب سجل فيه لقاءه الأول بكلمة أو مصطلح «الجاهلية». أما صنوه عنده، وأعني به مصطلح «الحاكمية»، فلم تتوفر مناسبة كهذه ليتحدث عن لقائه الأول به.

يؤسفني أن أقرر: إن خلف الله لم يقرأ مقدمة سيد قطب، ولم يقرأ كتاب الندوي. وللحديث بقية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد