خالد بن حمد المالك
يمهد الإسرائيليون للبدء باستئناف الحرب في قطاع غزة بمجرد الانتهاء من إفراج حماس والجهاد عن الرهائن الإسرائيليين الذين لديهم، بحجة أن إسرائيل لم تحقق أهدافها، وفقاً لإعلاناتهم وتصريحاتهم واستطلاعاتهم، رغم كل هذه الأعداد الكبيرة من القتلى الفلسطينيين والمصابين والمفقودين، وهذا الحجم من الدمار الشامل الذي أصاب القطاع، وقتل قادة حماس والجهاد والفصائل الأخرى، والقضاء على أغلب السلاح الذي كان في حوزة الفصائل الفلسطينية.
* *
سياسة إسرائيل تعتمد على إظهارها دولة مهددة بالزوال، وأنها دون القضاء على التنظيمات الفلسطينية فهي في خطر، وأن لا سلام ولا استقرار دون السيطرة على كل ما هو تحت يد العناصر المسلحة من الفصائل الفلسطينية، وأن كل انتصاراتها، ونتائج الحروب التي تكون لصالحها، لا ترى فيها أهدافاً قد تحققت لصالحها، موهمة العالم بأنها في خطر، وينساق بعض الفلسطينيين مع هذا التضليل فيتحدثون عن انتصارات كما هو حديثهم عن هزيمتهم لإسرائيل في حرب دفعوا فيها أثماناً غالية.
* *
بعد حرب 7 أكتوبر، أصبح الحديث عن تهجير سكان غزة لضمها إلى إسرائيل، وكان الحديث من قبل يكتفي عن إدارة إسرائيل ودول أخرى للقطاع، وتشديد الحصار، ومنع عودة حماس والفصائل الأخرى لحمل السلاح، أو إدارة القطاع، وأن إسرائيل ستقوم بعد استلام الرهائن على هدم المزيد، والقتل بلا حساب، لتغيير واقع القطاع، وهذه على خطورتها ودمويتها، إنما هي مقدمة للسياسة العنصرية لإسرائيل.
* *
هذا واقع استعماري عنصري تصادق عليه الأحداث والمشاهد والصور، وأحاديث الإسرائيليين، والدعم الأمريكي والغربي، فإن كذبناه أو صدقناها، فهو لا يغيِّر في حقيقة وواقع مستقبل القطاع شيئاً، والمؤامرة الكبرى مستمرة لتذويب القضية الفلسطينية، في سياسة استعمارية ممنهجة على مراحل منذ عام 1948م، وإلى اليوم.
* *
ما يترك الأمل قائماً وثابتاً وقوياً، أن الشعب الفلسطيني رغم كل التضحيات لا يزال يتشبث بأرضه، ويتمسك بحقوقه، دون أي تنازلات، أو إغراءات، من مبدأ أن الحقوق لا تُباع ولا يُفرَّط بها، ولا يُتنازل عنها، لا بالتهديد ولا بالوعيد، ولا بالإغراء، وهذا وحده يمكن أن يهزم العدو، ويقضي على مؤامراته، ويعوِّض الشعب الفلسطيني عن قتلاهم، وعن تهديم منازلهم، ومنع المخطط الإسرائيلي- الأمريكي من تنفيذ جريمة تهجيره من أرضه لصالح إسرائيل.
* *
نريد من المواطن الفلسطيني، أن يتحدى قرار أمريكا بتهجيره من أرضه قسراً لصالح العدو الإسرائيلي، فإخلاء قطاع غزة من الفلسطينيين - لو تم - هو الحلقة الأخيرة في سلسلة حلقات استعمار إسرائيل لكل فلسطين، والقضاء على حلم إقامة الدولة الفلسطينية، وأن تهزم المقاومة مرة وثانية وثالثة وأكثر خير لها من التفريط بأرضها، وبالتالي إنهاء الأمل بقيام الدولة الفلسطينية، وحذارِ أن يكتفي الفلسطينيون بانتصارات محدودة على الأرض، لأن الانتصار الحقيقي هو في الثبات والإصرار على مواصلة العمل والجهاد لاسترداد الحقوق المشروعة بكل السبل المتاحة.
* *
معركة 7 أكتوبر، امتدت أكثر من 15 شهراً وهذه فترة طويلة مقارنة بالحروب السابقة، وقُتل من الجيش الإسرائيلي أعداد تفوق ما قُتل في كل حروب إسرائيل السابقة، وفي المقابل قُتل من الفلسطينيين، ودُمِّرت منازلهم، وقُضي على قادتهم بما لم تشهده الحروب السابقة، كانت حرب إبادة بالفعل، وفي المقابل يمكن النظر إليها من زاوية أخرى على أنها لفتت العالم إلى جرائم إسرائيل، ومكَّنت الجميع من التعرّف على مطالب الفلسطينيين، لكن هذا لا يكفي للقول بأن المقاومة الفلسطينية خرجت من معركة الـ15 شهراً بانتصار، واليقين أن المعركة مع إسرائيل سوف تتواصل، وحلم إقامة الدولة الفلسطينية سوف يستمر، خاصة إذا أعادت الفصائل الفلسطينية التفكير في تغيير سياساتها في التعامل مع الدول العربية حتى لا تخسر دعمها، ووحدت كلمتها، وإذابة الخلافات القائمة بينها، فالتحرير يقتضي من كل الفصائل الفلسطينية أن تكون على مسار واحد لهزيمة العدو المحتل.