إيلاف من الرباط: تواصلت سهرات مهرجان "موازين.. إيقاعات العالم"، في دورته العشرين، بالرباط، في جو من الإبهار الفني والتقدير المتبادل بين الجمهور والفنانين المشاركين القادمين من مختلف قارات العالم، فضلا عن الفنانين المغاربة الذين أمتعوا جمهور المهرجان بباقة متنوعة، تجمع بين الشعبي والعصري من الغناء.
وتقول "جمعية مغرب الثقافات"، إن دورة هذه السنة للمهرجان، الذي تنظمه تحت رعاية الملك محمد السادس، ظلت وفية لرسالةالمهرجان الأساسية، المتمثلة في "دمقرطة ولوج جميع المغاربة إلى ثقافات العالم".
وتحدثت الجمعية عن استضافة منصات "أو إل أم السويسي"، و"النهضة"، و"سلا"، و"بورقراق "، و"شالة" فضلا عن "مسرح محمد الخامس"، لأبرز النجوم العالميين والعرب، والمواهب الشابة بالساحة المغربية، فضلا عن مجموعة مختارة من الأسماء اللامعة التي تمثل التراث الموسيقي للقارات الخمس.
ففي حضور روبي، وكارمن سليمان، ووائل جسار، وحماقي، ونانسي عجرم، وراغب علامة، وكاظم الساهر، وديانا حداد، ومريام فارس وصابر الرباعي، مرورا بنجاة عتابو، وحجيب، والفناير، وبودشارت، وصولا إلى ليل بايبي، و(CENT 50)، وويل سميث، وليلا داونز، و(AESPA)، وساليف كايتاوغيرهم من فناني العالم، أوفت التظاهرة المغربية بوعودها، بشكل أكد أنها تبقى من المهرجانات القليلة التي نجحت في الجمع بين فناني وإيقاعات العالم تحت سقف واحد، مقترحة على جمهورها الكبير طبقا متنوعا يلبي كل الأذواق والانتظارات.
كاظم الساهر
انتشى جمهور المسرح الوطني محمد الخامس، بالأداء الآسر لقيصر الأغنية العربية كاظم الساهر، في حفل فني، جاء وفيا لقيمة ومسار صاحبه.
وأخذ النجم العراقي عشاقه ومحبيه في رحلة موسيقية ماتعة طغت عليها مشاعر الحب والتغني بالكلام الموزون وبديع الألحان، تضمنت باقة متنوعة من أشهر وأنجح أعماله الغنائية التي ما انفكت تحقق شهرة واسعة في كل أرجاء الوطن العربي. وكان تجاوب الجمهور الحاضر على قدر استمتاعه بهذه اللحظة الفنية الراقية، حيث توالت التصفيقات والهتافات والزغاريد تعبيرا من الجماهير المغربية العاشقة للفن الجميل عن حبها وتقديرها الكبيرين لقيصر الأغنية العربية.

كاظم الساهر في "موازين"
وعلى امتداد المساحة الزمنية للحفل، أتحف كاظم الساهر جمهوره بأعذب القطع الغنائية وأجملها، من قبيل رائعة "ونسيت دائي"، فضلا عن أعمال أخرى لا تقل شهرة وانتشارا، منها "كلك على بعضك حلو"، و"هل عندك شك"، و"أنا وليلى" و"حافية القدمين".
وبلغ الحماس الجماهيري ذروته، في سابع ليالي المهرجان ، عندما قدم النجم العراقي ورائد فن المقامات، بشموخ فني مبهر، رائعتي "زيديني عشقا" و"مدرسة الحب"، والتي ردد الحضور كلماتها بإتقان ملفت، في مشهد شاعري استثنائي استحضروا فيه بإحساس صادق وانسجام متفرد، الأشعار الخالدة للمبدع نزار قباني.
وأعرب قيصر الأغنية العربية، بهذه المناسبة، عن سعادته الغامرة بمعانقة الجمهور المغربي الذواق من خلال هذا الحفل الفني الساهر، معبرا عن حبه وتقديريه الكبيرين للمغرب.
ويل سميث
أحيا النجم الأميركي ويل سميث، بمنصة السويسي، حفلا غنائيا استثنائيا، لا يقل حماسة عن الحفلات الاستعراضية الأميركية الكبرى.
وما إن صعد ويل سميث إلى المنصة، في أول حفل له بالمغرب، حتى ألهب حماس الجماهير العريضة، وجذب اهتمامها وتفاعلها من خلال خلق أجواء ساحرة واستثنائية جمعت بين الألوان الصاخبة وطاقة حماسية ملفتة.

ويل سميث في "موازين"
وأقبل النجم العالمي، على جمهور "موازين" بطاقة فنان عملاق، وقد رافقته مجموعة من الراقصين الذين أضفوا لمسة مميزة على هذا الحفل. كما أن الشاشة الكبرى المتبثة على خلفية المنصة كانت بمثابة مشهد حضري مميز ولوحة فنية شاعرية، فضلا عن الشهب الاصطناعية الرقمية التي أضفت على الحفل رونقا خاصا.
وقبل أن يؤدي أغنيته الشهيرة (Just the Two of Us)، تحدث ويل سميث عن نجله بحنان، في لحظة أضفت لمسة مؤثرة على الحفل، قبل أن يؤدي باقة من أعماله الغنائية الناجحة، من بينها أغنية (Work of Art)، التي تحمل للعالم رسالة إنسانية عميقة.
وعكست سهرة ويل سميث، بأجوائها الرائعة والاستثنائية، البراعة الفنية للنجم الأميركي، بوصفه واحدا من عمالقة الفن الغربي من فناني جيله، حيث توفق في الجمع بين الأداء القوي والرصين والتميز على المنصة طيلة لحظات الحفل، مع خلق تناغم جميل وتفاعل منقطع النظير مع الجمهور، فكانت كل قطعة غنائية أداها بمثابة حكاية فريدة تقاسمها مع محبيه ومعجبيه ببساطة وحرارة مبهرتين.
ويعد ويل سميث من النجوم العالميين البارزين، الذين بصموا على مسيرة فنية استثنائية في مجالات الموسيقى والسينما والأعمال؛ وفضلا عن حضوره السينمائي القوي، سبق له أن أصدر مجموعة من الأعمال الغنائية ذات الشهرة الواسعة.
صابر الرباعي
أحيا الفنان التونسي صابر الرباعي سهرة موسيقية راقية على خشبة المسرح الوطني محمد الخامس، أعاد خلالها وهج الطرب الأصيل بصوته العذب وأدائه المتقن.
ففي أمسية استثنائية امتزج فيها الحنين بروعة الأداء، والتقى خلالها جمهور ذواق مع صوت لطالما أسر القلوب وتربع على عرش الطرب العربي المعاصر، استهلت السهرة بعزف منفرد للفرقة الموسيقية، ممهدا لدخول الفنان صابر الرباعي، الذي افتتح عرضه بكلمة شكر وامتنان للمنظمين ولكل المساهمين في إنجاح هذا المهرجان.
ووسط تصفيق حار وهتافات المحبين، استهل صابر الرباعي، الذي يعد علامة فارقة في سماء الفن العربي، الأمسية بأغنيته الشهيرة "الباشا"، التي ألهبت أجواء المكان منذ اللحظات الأولى، قبل أن يصحب جمهوره في رحلة فنية امتزج فيها الرقي بالأصالة، مقدما باقة من أبرز أعماله التي رددها الحاضرون بكل تلقائية وحماس، من بينها "ببساطة"، و"عالطاير"، و"يا عسل" و"عاشق مغروم".
وواصل صابر الرباعي تألقه بأغنيته الشهيرة "عز الحبايب"، التي لاقت تفاعلا واسعا من الحضور، أعقبها بأداء "خلص تارك" وغيرها من روائعه الخالدة، التي رددها الجمهور بصوت واحد، في لحظات اندمج فيها الفنان بجمهوره، حتى بدوا وكأنهم كيان واحد ينبض على إيقاع النغمة والكلمة.
ولم يقتصر الرباعي على تقديم أعماله الخاصة فقط، بل اختار أيضا أن يكرم رواد الطرب المغربي، حيث أبدع في أداء مقاطع مختارة من روائع عبد الوهاب الدكالي مثل "مرسول الحب"، وأغنية "علاش يا غزالي" للفنان الراحل المعطي بنقاسم، في لفتة لاقت استحسان الجمهور وأعادت إلى الذاكرة عبق الزمن الذهبي للأغنية المغربية.
ورافق الفنان في هذه الأمسية فرقة موسيقية متميزة بقيادة المايسترو قيس المليتي، حيث تميزت التوزيعات الموسيقية بالدقة والانسجام، متنقلة بسلاسة بين الطرب الكلاسيكي والروح العصرية، مما أضفى على السهرة أجواء ساحرة تليق بمكانة صابر الرباعي الفنية.
واختتم صابر الرباعي السهرة بأغنية "برشا برشا"، بصوته القوي وقدرته على التنقل بين المقامات والنغمات، مبرهنا في هذه الأمسية على كونه راويا لقصص الحب والحنين، وسفيرا لصوت عربي عميق يتجاوز حدود الزمن. أما الجمهور، فقد أبدى حضورا لافتا بتفاعله المستمر من غناء وتصفيق وتأثر، مشاركا الفنان في صنع واحدة من أجمل أمسيات موازين لهذا العام.
ديانا حداد والفناير
عاشت منصة "النهضة" واحدة من أمسية ستظل راسخة في الذاكرة، من خلال التئام الصوت والإحساس في عرضين موسيقيين أحياهما كل من مجموعة الراب المغربية الشهيرة "الفناير" والفنانة اللبنانية ديانا حداد.
وجاء افتتاح الأمسية بتوقيع مغربي بامتياز، حيث اعتلت مجموعة "الفناير" المنصة وسط تصفيقات حارة من جمهور غفير توافد من مختلف ربوع المملكة وأحياء مدينتي الرباط وسلا.
وبأدائهم المبدع وإيقاعاتهم المستوحاة من الموروث المغربي العريق، استطاع أعضاء المجموعة إشعال حماس الجمهور بمجموعة من أشهر أغانيهم التي تمزج بين التراث المغربي الغني والتعبيرات الموسيقية المعاصرة.
وشكل عرض "الفناير" لحظة احتفالية خاصة، جسدت فيها المجموعة روح الانتماء الثقافي المغربي بأسلوب عصري؛ إذ تفاعلت الجماهير، بمختلف فئاتها العمرية، مع كلمات الأغاني وحركات الإيقاع، في مشهد عكس عمق الارتباط الوجداني بين "الفناير" وجمهور هذه الفرقة التي بصمت المشهد الفني الشبابي منذ سنة 2001.
وفي أجواء مشحونة بالعاطفة والانتظار، أسرت ديانا حداد بإطلالة بهية وأناقة لافتة، قلوب جمهورها بصوتها العذب وأدائها الطروب، من خلال باقة من أغانيها التي طبعت ذاكرة عشاق الأغنية العربية، من قبيل "أمانيه"، و"ماس ولولي"، و"ساكن" و"يا عيبو".

ديانا جداد في "موازين"
وبحنكة الفنانة المخضرمة، وبقفطان مغربي بديع، قادت دياناحداد الحضور في رحلة موسيقية مفعمة بالإحساس، جمعت بين الرومانسية والفرح، وبين الحنين والاحتفالية، وسط تفاعل استثنائي من الجمهور الذي لم يتوقف عن الغناء والرقص والتصفيق، في لحظة من الانسجام التام بين الفنانة ومُحبيها.
وفي كلمة مؤثرة خلال الحفل، عبرت ديانا حداد عن سعادتها الغامرة بإحياء حفلها بالمغرب، خاصة بعد الاستقبال الاستثنائي الذي حظيت به من قبل المهرجان، مشيدة بحفاوة الاستقبال المغربي الأصيل.
مغرب الثقافات
يعد مهرجان "موازين"، الذي رأى النور بمبادرة من جمعية "مغرب الثقافات"، في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2001، في إطار الانفتاح على الثقافات ومنح الجمهور رحلة سفر موسيقية لجميع بقاع العالم، موعداً لا بديل له لهواة وعشاق الموسیقى بالمغرب".
وتعد جمعية "مغرب الثقافات"، التي تأسست في 2001، هيئة لا تهدف إلى تحقيق الربح. وخلال بحثه عن الانفتاح والتبادل، تمكن المهرجان، فضلاً عن مئات الفنانين وملايين المتفرجين، من جمع مفكرين ومثقفين، لطرح أفكارهم وتأملاتهم، خلال الندوات والموائد المستديرة المبرمجة
ويسعى المهرجان، على مستوى الفلسفة والقيم، حسب منظميه، إلى "المشاركة والتبادل"، عبر تشجيع التبادل بين الفنانين والجمهور وبين الفنانين أنفسهم؛ و"التسامح والانفتاح"، عبر ضمان تمثيلية أكبر لمختلف الثقافات؛ و"تنوع الأساليب والفنون"، من خلال الانفتاح بشكل أكبر على جميع أشكال التعبير الفني؛ و"الأصلة والمعاصرة"، عبر التحام الفنون التقليدية بأشكال التعبير الأكثر معاصرة؛ و"الجودة والأصالة"، عبر الحفاظ عل الموروثات الثقافية؛ و"الولوجية"، عبر تمكين جميع الأفراد من إمكانية الولوج مجاناً إلى نسبة كبيرة من العروض.

جمهور غفير في مهرجان "موازين"
وفضلاً عن التزامه، في مجال النهوض بالموسیقى المغربیة،حیث یكرس نسبة مهرمة من برمجته لمواهب الساحة الوطنیة،يعتبر "موازين"، حسب منظميه دعامة أساسیة للاقتصاد السیاحي الجهوي، وفاعلاً من الدرجة الأولى في مجال خلق صناعة حقیقیة للفرجة بالمغرب.
ويرى المنظمون أن من بين علامات نجاح هذا المهرجان متابعة بمتوسط نحو مليونين و500 ألف شخص لفعاليات كل دورة من دوراته الأخيرة. ومنذ سنة 2012، يعتبر "موازين"، حسب منظميه، "الحدث المغربي الوحيد الذي لا يتلقى أي مساهمة عامة بفضل تطويره لنموذج تجاري موثوق ومربح".