: آخر تحديث
40 عامًا من التخصيب تنهار في أسبوع

هل تتخلى إيران عن السلاح النووي أم تعود إلى المربع الأول؟

3
3
3

لأكثر من أربعة عقود، شكّل البرنامج النووي الإيراني محورًا للتوترات الإقليمية والدولية، حيث امتزجت فيه طموحات الهيمنة الإقليمية بأحلام امتلاك سلاح نووي كأداة ردع استراتيجية. منذ بداياته في عهد الشاه، مرورًا بتسارعه بعد الثورة الإسلامية عام 1979، استثمرت إيران مليارات الدولارات ومعارف تقنية متقدمة لتطوير قدراتها في تخصيب اليورانيوم، بهدف تعزيز نفوذها في العالم العربي والإسلامي. لكن في يونيو 2025، وفي غضون أسبوع واحد، انهارت هذه الطموحات تحت وطأة هجمات عسكرية دقيقة استهدفت منشآت نووية رئيسية مثل نطنز وفوردو وأصفهان، مما دمّر أجهزة الطرد المركزي والبنية التحتية الحيوية. هذا الحدث المفصلي يطرح تساؤلًا ملحًّا: هل ستتخلى إيران عن حلم السلاح النووي نهائيًا، أم ستعود إلى المربع الأول لإعادة بناء برنامجها؟ وما الذي يعنيه ذلك للنظام الإقليمي والدولي؟

من الشاه إلى الثورة
بدأ البرنامج النووي الإيراني في الخمسينيات بدعم غربي، لكنه اتخذ بعد الثورة الإسلامية طابعًا أيديولوجيًا يخدم أهداف تصدير الثورة وتعزيز النفوذ الإقليمي. على مدى عقود، واجهت إيران عقوبات اقتصادية، وحظرًا تقنيًا، وتدخلات عسكرية، لكنها استمرت في تطوير قدراتها، حيث وصلت في 2023 إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 83.7%، على بُعد خطوات من المستوى العسكري (90%). كانت هذه الجهود مدعومة باستراتيجية إقليمية تعتمد على وكلاء مثل حزب الله وحماس، بهدف فرض توازن قوى مع القوى الإقليمية، وخاصة المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
لكن هذا البرنامج، الذي استُثمر فيه عقود من الزمن، انهار في أيام معدودة. الهجمات الإسرائيلية-الأمريكية في يونيو 2025، التي استهدفت البنية التحتية النووية بدقة غير مسبوقة، لم تدمر المنشآت فحسب، بل أضعفت القدرة الإيرانية على إعادة البناء في المدى القريب. هذا الانهيار لم يكن مجرد خسارة مادية، بل ضربة استراتيجية لمشروع إيران الإقليمي، الذي اعتمد على التهديد النووي كورقة ضغط.

تحدٍّ جديد؟
تدمير البرنامج النووي يضع إيران أمام مفترق طرق استراتيجي. من ناحية، قد تدفع الخسارة الكبيرة القيادة الإيرانية إلى إعادة تقييم جدوى الاستمرار في الطموح النووي. العقوبات الاقتصادية، التي أضعفت الاقتصاد الإيراني على مدى عقود، إلى جانب الاحتجاجات الشعبية الداخلية الناتجة عن التضخم والبطالة، تجعل إعادة بناء البرنامج مكلفًا ومحفوفًا بالمخاطر. علاوة على ذلك، أظهرت الضربات الأخيرة أن القوى الإقليمية (مثل إسرائيل) والدول الغربية (خاصة الولايات المتحدة) لن تسمح لإيران بتجاوز الخط الأحمر النووي. هذا الواقع قد يدفع طهران إلى التفكير في بدائل دبلوماسية، مثل العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي (JCPOA) أو تعزيز النفوذ عبر الوكلاء الإقليميين بدلًا من المغامرة النووية.

من ناحية أخرى، لا يمكن استبعاد عودة إيران إلى المربع الأول. على الرغم من تدمير المنشآت، تحتفظ إيران بمعرفة تقنية تراكمت على مدى عقود، مما يتيح لها، نظريًا، إعادة بناء برنامجها على المدى الطويل. القيادة الإيرانية، التي ترى في السلاح النووي ضمانة للبقاء في مواجهة الضغوط الخارجية، قد تختار التحدي، خاصة إذا شعرت أن الضربات تهدف إلى تغيير النظام. ومع ذلك، فإن هذا الخيار يتطلب تمويلًا ضخمًا واستقرارًا داخليًا، وهما أمران يعاني منهما النظام حاليًا.

الدور السعودي
في السياق الإقليمي، يعزز تدمير البرنامج النووي الإيراني من استقرار المنطقة، خاصة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي لطالما رأت في إيران تهديدًا للأمن الإقليمي. الدبلوماسية السعودية، التي تتسم بالتوازن بين القوة الناعمة والصلبة، لعبت دورًا محوريًا في دعم الجهود الدولية للحد من الطموحات الإيرانية، سواء عبر تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة أو من خلال مبادرات إقليمية مثل خطة عمل الرياض لمكافحة التصحر. هذا الدور يتماشى مع رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تحقيق استقرار إقليمي وتنمية مستدامة، مما يعزز مكانة المملكة كقوة دبلوماسية رائدة.
ومع ذلك، فإن تراجع التهديد النووي الإيراني لا يعني نهاية التحديات. إيران قد تلجأ إلى تصعيد غير نووي، مثل تعزيز دعمها للميليشيات في اليمن أو العراق، مما يتطلب من القوى الإقليمية، بما في ذلك السعودية، استراتيجيات استباقية لاحتواء هذا التحدي.

مستقبل إيران
إن انهيار البرنامج النووي الإيراني في أسبوع واحد ليس مجرد حدث عسكري، بل تحول استراتيجي يعيد تشكيل ديناميكيات المنطقة. إيران، التي استثمرت عقودًا في طموحها النووي، تواجه الآن خيارًا صعبًا: إما التخلي عن حلم السلاح النووي والتركيز على الاستقرار الداخلي والدبلوماسية، أو العودة إلى المربع الأول في تحدٍّ قد يكلفها المزيد من العزلة والضغوط. في كلا الحالتين، فإن الضربات الأخيرة أظهرت أن النظام الدولي، بقيادة القوى الغربية والإقليمية، لن يتسامح مع تهديد نووي إيراني.

للمنطقة، يفتح هذا الحدث نافذة لتعزيز الاستقرار، بشرط أن تستثمر القوى الإقليمية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، في تعاون دبلوماسي واقتصادي يدعم رؤية التنمية المستدامة. أما إيران، فإن قرارها المقبل سيحدد ما إذا كانت ستظل قوة مضطربة أم ستختار الانخراط البنّاء في النظام الدولي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.