: آخر تحديث

زمنيّة الحرب... وفكرة السلام

1
2
2

ليس سراً أنَّ المحاولات الحثيثةَ اليوم بغية إطفاء نيران الحرائقِ لها أسبابُها التنموية مع الإرادات السياسية. دولٌ انشغلت برؤىً تنموية، وحقَّقت أهدافَها الاقتصادية في زمنٍ قياسي لا تريدُ أن تنموَ في إقليمٍ يحترق.

القوى الصَّاعدة تنموياً لا تريد لأي حربٍ أن تمتد، ولا لأي أزمةٍ أن تتفاقم. المبادرات المطروحة جدّية؛ خلاصتها أن تتجاوزَ الدولُ خلافاتِها بالوقت المحدد. وما كانت الضربات المتضادة بين أطراف النزاع إلا وسيلةً لصناعة حل، أو لتأسيس نقاشٍ وتفاوض.

بالأمس كتب الدكتور رضوان السيد في هذه الجريدة مقالةً مهمة بعنوان: «هل انتهت حرب فارس والروم؟». فيها سأل الأستاذ: «هل انتهت الحرب، أو الحروب، كما ذكر ترمب؟ إيران شديدة التعب والإرهاق في بناها العسكرية والنووية والأمنية والعلمية، وقد جُرّدت أيضاً من أذرُعها التي بنتها بصبرٍ على مدى عقود. أما إسرائيل المرهقة جداً من «حروب الانتصار»، فيغلب على الظن أن تستكين أيضاً إذا أمنت من جهة لبنان. لكن ستبقى لديها مشكلات إذا رأت أن ترمب سيمضي بعيداً في احتضان إيران...».

ثم ربط الحدث بتاريخيته حين قال إن «التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه، وفق كارل ماركس، إذا حصلت تشابهات فإن المأساة (التراجيديا) تختلط فيه بالكوميديا».

نعم، للحروب وظيفتها؛ كما أن للسلام دوره وأثره، وعبر التاريخ أخذت الحروب حيزها من الدرس والتحليل، فالحرب ذروة قصوى من ذروات التاريخ على أثرها تتشكل جغرافيا جديدة، وتوضع على الأرض إمكانات مختلفة، وتتحول مسارات عديدة، فالحروب هي الوسيلة الأجدى أحياناً من أجل صناعة السلام.

والدراسات التي تتحدث عن الحرب والتاريخ والإنسان عديدة، وهي تتراوح بنتائجها بين القبول والرفض، لذلك يمكن تلخيص قصة الموقف من الحرب بأنها صراع بين مقولتين، ونظريتين، فاليونانيون عاشوا الحروب الطاحنة وخبروا الحرب، ولذلك عتدّها هيراقليطس «ربة الأشياء»، فهو فيلسوف الصيرورة والنار، ولذلك يرى في الحرب وسيلة فاعلة في تصيير الأشياء وتسريع حركة التاريخ، على نقيضه عدو الحرب كانط، الذي ألّف كتيبه الشهير «نحو سلام دائم»، به يعرض خطة لإنهاء فكرة الحرب واستبدال أفكار أخرى أخلاقية بها، يمكنها جعل الصراع بين الأمم أكثر تطوراً من فكرة الحرب.

الخلاصة؛ أن الحروب لها هدف وزمن. ولكل طرفٍ أوانه للدخول في السلام. وما كانت مبادرة ترمب إلا نصيحة لإنهاء حرب يُراد لها أن تكون قصيرة. والتاريخ لا يعيد نفسه لأن التاريخ متزمّن ولا يعود. بيد أن القوّة في اغتنام فرص الانتقام في حينها، وفرص السلام في أوانها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد