سميح صعب
بعد عمليتي الاغتيال اللتين نفّذتهما إسرائيل بحق القيادي العسكري الكبير في "حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت الثلاثاء، ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران الأربعاء، لا يزال المسؤولون الأميركيون يتحدثون عن أن ثمة فرصة لجسر الهوة في مفاوضات وقف النار وصفقة تبادل الأسرى في غزة!
ليس مفهوماً على أي معطيات تستند أميركا في تقويمها الوضع، بعد الارتكابات الإسرائيلية التي رفعت التوتر في الشرق الأوسط إلى أقصى الدرجات، منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي.
هل اغتيال هنية سيكسر "حماس" ويحملها على قبول ما كانت ترفضه قبل الاغتيال؟ وهل "حزب الله" سيحتوي أقوى ضربة يتعرّض لها منذ 8 تشرين الأول؟
ما قامت به إسرائيل غير قابل للاحتواء، لا من "حماس" ولا من "حزب الله" ولا من إيران التي أحرجتها إسرائيل بتصفية هنية الذي يزورها لحضور تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان.
الجبهات التي كانت تشهد اشتباكات بوتيرة منخفضة منذ نحو عشرة أشهر، باتت بعد الضربات الإسرائيلية قابلة للتحول إلى حرب إقليمية واسعة، بعدما تدخل في دائرة الردّ، والردّ على الردّ.
حرب لن تكون الولايات المتحدة في منأى عنها، لأنها ستهرع إلى الدفاع عن إسرائيل، على غرار ما فعلت ليلة 13-14 نيسان (أبريل) المنصرم، عندما تصدّت مع بريطانيا لأكبر موجة صواريخ تُطلق دفعة واحدة في تاريخ الحروب، من إيران، رداً على اغتيال إسرائيل الجنرال محمد رضا زاهدي، في غارة على القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان (أبريل).
السيناريو نفسه مرشح للتكرار هذه المرّة من جبهات عدة وفي وقت واحد. والمناشدات الأميركية لخفض التصعيد، ربما كان الأحرى توجيهها إلى نتنياهو كي لا يُلهب المنطقة، وهو العائد للتو من رحلة إلى الولايات المتحدة، ما يوحي وكأنه حصل على رضا أميركي بالتصعيد.
وحتى إذا كان رهان واشنطن بأن ردّ إيران و"حزب الله" لن يصل إلى مستوى الحرب المفتوحة، لأنه ليس من مصلحة أي من الطرفين الذهاب إلى هذا المستوى من النزاع، بناءً على سلوكهما منذ بداية الحرب على غزة، فإن مستوى الاستفزاز الإسرائيلي كان بسقف عالٍ جداً لا يمكن الحزب، ولا إيران، التغاضي عنه أو الاكتفاء بردّ رمزي كما حصل بعد اغتيال القيادي في "حماس" صالح العاروري في الضاحية الجنوبية في كانون الثاني (يناير) الماضي.
أما الكلام عن بحث نتنياهو عن "صورة نصر" كي ينزل عن الشجرة، ويوافق على اتفاق وقف النار في غزة من موقع القوة ومن موقع المستعيد لقوة الردع الذي سقط في "7 أكتوبر"، فلا يستقيم مع كلام نتنياهو عقب تنفيذ الاغتيالين، بأن ما من أحد في العالم سيحمله على القبول بوقف الحرب على غزة.
نتنياهو باشر في الأيام الأخيرة حرباً جديدة بالتوازي مع حرب غزة. وهذا في اعتقاده ما يرمم صورته المهشمة في "7 أكتوبر"، ويضمن له البقاء السياسي، وليس القبول بوقف للنار والذهاب إلى صفقة التبادل.
يمضي نتنياهو في الاتجاه المعاكس، اتجاه إثارة المزيد من الحروب والتهديد بأن يد إسرائيل "طويلة ومن يؤذيها سيكون دمه مهدوراً". هذا كلام يقوله من يزعم أنه يقود "الحضارة" في حربها ضدّ "الهمجية". هل ثمة همجية أبشع من همجية الاحتلال الجاثم على صدور الفلسطينيين منذ 76 عاماً؟
لو صدر كلام مثل هذا عن أي شخص آخر، لسارعت أميركا إلى التنديد به واعتباره إرهابياً في أقل تقدير. أما أن يقود نتنياهو المنطقة بكاملها إلى الحريق الكبير، فإن ذلك في خانة الدفاع عن النفس!
غريب أمر هذه "الحضارة".