أحمد الجميعة
أكثر التحديات التي تواجه الموظفين اليوم في بيئات العمل، أن المسؤول الأول عن إداراتهم مدير وليس قائداً، والفرق بين الاثنين كبير جداً، فالمدير مركزي بيروقراطي، وقلق دائماً لدرجة الخوف من المسؤولية والتهرّب منها، ويخشى من الفشل أكثر من النجاح، وتحميل فشله على الآخرين، ولديه فريقه الخاص بعيداً عن فريق العمل الجمعي يُصغي إليهم ويتأثر بهم، بينما القائد مختلف تماماً، فهو يصنع الرؤية الاستراتيجية لفريقه، ويبتكر الحلول لهم، ويشاركهم في صناعة القرار، ويحفزهم على الإنتاجية لتحقيق المستهدفات، ويهتم ببناء العلاقات الإنسانية مع الصغير قبل الكبير، ومع كل ذلك لا يتمسك القائد بكرسيه، بل يرى أن القمة تتسع للجميع وهذا سر تميّزه.
ونتيجة لهذه الفروقات بين المدير والقائد، حتماً تختلف بيئات العمل بينهما، فالموظفون الذين يعملون مع المدير هم غالباً آلات في ترسِ عملٍ كبير، وتسود بينهم علاقات النفاق والمصلحة، والخوف من فقدان الوظيفة، أو درجة التقييم في نهاية العام، وبالتالي يغلب على هذه البيئة (الشللية)، وفقدان الثقة، والصعود على أكتاف الآخرين، و(تلبيس الطواقي) لدرجة تنعدم فيها القيم والأخلاق، وكل هذا بسبب مدير لا يستحق أن يكون في موقع المسؤولية بغض النظر عن المهام التي أنجزها وربما نجح فيها، لكنه ترك لنا إرثاً من الصراع وعدم الاستقرار داخل بيئة العمل، مما يصعب إصلاحها أو حتى ترميمها، وأثرت حتماً على العلاقات الإنسانية بين الموظفين أنفسهم.
من الصعب جداً أن نجعل من جميع المديرين قادة، ولكن من الواجب أن يشترك المدير في بعض سمات القائد على الأقل؛ وأهمها الجانب الإنساني في التعامل مع الموظفين، التي تقوم أساساً على العدل والمساواة ليس في تطبيق النظام فهذا مفروغ منه، ولكن في الإحساس بالآخرين، واحتوائهم، والتواضع لهم، وتمكينهم من تحقيق طموحاتهم، والأهم الاقتراب منهم، وتقدير ظروفهم، فالحياة اليوم معقدة لدرجة مخيفة في جانب الأمان والاستقرار الوظيفي.
صحيح بعض الموظفين لديهم تحديات سواءً كانت مع المدير أو القائد، وهذه التحديات منبعها الأول سلوك الموظف في انضباطه وإنتاجيته وعلاقته مع زملائه في العمل، وهذه النوعية من الموظفين هم الأكثر تذمراً في بيئة العمل، ولكنهم يبقون قلّة، ويمكن توجيههم واستثمار قدراتهم ومنحهم المزيد من الفرص التي يكون بعدها قرار الاستغناء من أبسط حقوق المدير، ولكن الحديث هنا عن الغالبية من الموظفين الذين يبحثون عن بيئة عمل إنسانية، يشعرون من خلالها أن مديرهم هو أقرب الناس إليهم، ويدافع عن حقوقهم، ويمنحهم الاستقرار، ويحضّرهم نفسياً للعمل من خلال التحفيز والتقدير وعبارات الشكر على جهودهم.
اليوم لو أجرينا مسحاً ميدانياً عن الموظفين الذين غادروا وظائفهم لمواقع عمل أخرى، أو الذين طلبوا النقل إلى إدارات أخرى داخل المنظومة، حتماً سيكون من أهم الأسباب إن لم يكن أولها أنهم عملوا مع مدير وليس قائداً، ومدير لا يتمتع بروح إنسانية في بيئة العمل!